اكتشاف محلول كهربائي (إلكتروليتي) جديد يمكّن من تشغيل بطاريّات مصمّمة للعمل في درجات حرارة مرتفعة ضمن درجة حرارة الغرفة.على الرّغم من سيطرة بطاريّات الليثيوم أيون على السوق حالياًّ، إلّا أنّ مواداً أخرى قد أظهرت إمكانية استخدامها مستقبلاً في صناعة البطاريات القابلة لإعادة الشحن، واحدة من هذه المواد هي الفلوريد – النّسخة المشحونة سلباً من عنصر الفلورين, أو ما نسمّيه أنيون (أيون سالب) الفلورين.

عمل الباحثون خلال فترة السبعينات على صناعة بطاريّات صلبة من الفلوريد قابلة لإعادة الشحن، لم تتمكّن البطاريّات التي تستخدم المكوّنات الصّلبة من العمل إلّا عند درجات حرارة مرتفعة مما جعلها صعبة الاستخدام في الحياة العمليّة.

في يومنا هذا تمكّن فريق من الباحثين من جامعة Caltech ومختبر Jet Propulsion، بالإضافة إلى معهد Honda للأبحاث ومختبر Lawrence Berkeley الوطنيّ، تمكّنوا من إيجاد طريقة لجعل بطاريّات الفلوريد تعمل في درجة حرارة الغرفة وذلك باستخدام مكوّنات سائلة.

التحدّيات التي واجهوها:

“مقارنةً ببطاريّات الليثيوم أيون التّجاريّة، تمتلك بطاريّات الفلوريد كثافة طاقيّة أعلى، أي أنّها تستطيع العمل لمدّة تصل إلى ثماني أضعاف المدّة التي تعمل بها بطاريّات اليوم” بحسب أحد كاتبي الدّراسة، روبرت غرابس، بروفيسور كيمياء في جامعة Caltech وحائز على جائزة نوبل لعام 2005 ، “ولكن العمل مع الفلوريد تتخلّله بعض التّحديات وذلك لأنّه شديد التّفاعل والتّآكل”.

الشّكل 1 تقريب مجهريّ للمحلول الكهربائيّ المستخدم في الدراسة، يحاط أيون الفلوريد الموضّح باللّون الزّهري بسائل من جزيئات الـBFTE.

 ـ BFTE تقريب مجهريّ للمحلول الكهربائيّ المستخدم في الدراسة، يحاط أيون الفلوريد الموضّح باللّون الزّهري بسائل من جزيئات ال
                                                    الشكل (1): تقريب مجهريّ للمحلول الكهربائيّ المستخدم في الدراسة

تتألّف هذه البطاريّات من قطب موجب نسمّيه المهبط cathode وقطب سالب نسمّيه المصعد anode، يفصل بينهما محلول كهربائي يسمح للأيونات بالعبور بين القطبين.

في بطاريات الليثيوم أيون، تعبُر أيونات الليثيوم الموجبة عبر المحلول الكهربائي من المهبط إلى المصعد خلال شحن البطاريّة، ومن المصعد إلى المهبط خلال استعمال البطارية.

يُعتبر الليثيوم أكثر عنصر موجب كهربائيّاً في جدول العناصر، ولذلك فإنّ إعطاء الليثيوم إلكترونات لا يحتاجها خلال الشّحن يخزّن طاقة.

معاكس الليثيوم:

الفلوريد هو المادة التي تقابل الليثيوم أي أنّه أكثر عنصر سالب كهربائيّاً – يقوم باكتساب إلكترونات، لذلك أخْذ الإلكترونات من الفلوريد يخزّن طاقة أيضاً، بعكس أيونات الليثيوم الموجبة (cations) التّي تَعبر المحلول الكهربائي خلال شحن وتفريغ بطاريّة الليثيوم أيون، فإنّ أيونات الفلوريد السّالبة (anions) هي التي تنقل الشّحنة في بطاريّات الفلوريد.

حتى اللحظة تطلَّب المحلول الكهربائي الصلب المستخدم في بطاريات الفلوريد درجة حرارة تتجاوز 300 درجة فهرنهايت (149 سيليزيوس تقريباً) لكي يسمح بانتقال الأيونات. للعمل ضمن درجة حرارة الغرفة يجب أن يتمّ انتقال الأيونات ضمن محلول كهربائي سائل كما في بطاريّة الليثيوم أيون، ولكنّ طبيعة الفلوريد المتآكلة والتّفاعلية سبّبت في تفكّك المحاليل الكهربائيّة السّائلة التّي تمّت تجربتها.

قام البحث الجديد باستخدام محلول كهربائي سائل يدعى bis(2,2,2-trifluoroethyl)ether أو BTFE  ، تمّ اكتشاف أن هذا المحلول السائل قادر على إبقاء أيونات الفلوريد مستقرّة، ممّا يسمح لها بنقل الإلكترونات عبر البطاريّة ضمن درجة حرارة الغرفة.

الأضداد تتجاذب:

يشرح أحد الباحثين في المشروع، Brett Savoie، طالب ما بعد الدكتوراة في جامعة Caltech وأستاذ مساعد بالهندسة الكيميائية في جامعة Purdue ، كيفيّة عمل BTFE  في منشور من جامعة Purdue، حيث جاء فيه: “يصنع BTFE  من عدّة مجموعات كيميائيّة مرتّبة بحيث تعطي الجزيء الناتج منطقتين مشحونتين بشحنة موجبة تتفاعل بشكل قويّ مع الفلوريد طالما أنّ الأضداد تتجاذب، أظهرت المحاكاة كيف دفعت هذه المناطق المشحونة جزيئات الـBTFE   للإحاطة بالفلوريد وإذابته عند درجة حرارة الغرفة.” كما لاحظ الباحثون أنّ “أقطاب بطاريّة الفلوريد تخزّن أيونات أكثر في وحدة المساحة مقارنة بأقطاب بطارية الليثيوم أيون المعتادة، هذا يبيّن بأنّ هذه التّكنولوجيا قابلة لتكون أكثر كثافة طاقيّة.”

على الرّغم من أنّه قد صمّمت بطاريّة فلوريد تعمل في درجة حرارة الغرفة إلّا أنّها مازالت تعاني من مشاكل تعيق استخدامها كمصدر طاقة للهواتف النّقالة والحواسب الشّخصيّة والسّيارات الكهربائيّة، أحد هذه المشاكل هو تحلّل المصعد والمهبط في محلول BTFE  مما يقصّر من عمر البطاريّة، كما يرغب الفريق في توسيع مجال الفولت والاستقرار BTFE  مما يقلّل احتمال فشله عند قيمة فولت عالية.

مثل أي اكتشاف في عالم البطاريّات، لا يُتوقّع وجود نسخة تجارية إلا بعد ما يقارب العقد من الزمن, ولكن عندما يتوقّع الحائز على جائزة نوبل أنّ بطارية الفلوريد المستقبلية ستعمل ثمانية أضعاف الوقت الذي تعمل به بطاريّة الليثيوم أيون المستخدمة اليوم، فهذا يعتبر بمثابة أمر يستحق التّطلع إليه.


المصدر: هنا
ترجمة: عدي ناصر، مراجعة: محمد مرتكوش، تدقيق لغوي: سلام أحمد ، تصميم: علي العلي , تحرير:قحطان غانم.