سيتحتّم علينا كبشر أن نعتمد على البطاريّات لتزويد الأجهزة والأدوات الكهربائيّة المحمولة بالطاقة، في حال لم يخترع شخص ما يشابه توني ستارك (شخصيّة مخترع خياليّة يقوم صاحبها باختراعات مدهشة) مفاعلاً أو لم يفضِ العمل على أنظمة نقل الطاقة الشمسيّة من الأقمار الصّناعيّة إلى الأرض لاسلكيّاً إلى أيّة نتائج.

تعدّ بطاريّات الليثيوم أيون (Lithium-ion) والليثيوم بوليمير (Lithium-Polymer) النوعَين الأكثر شيوعاً من البطاريّات في أجهزة المستهلكين، وفي هذا المقال سنركّز على بطاريّات الليثيوم أيون، حيث أنّ هذا النوع يميل لأن يكون النوع الأكثر فائدة بين بقيّة الأنواع، فبنوك الطاقة (Power bank) والحواسيب المحمولة وحتى سيارات تيسلا من الطراز Model 3 تستخدم بطاريّات الليثيوم أيون كمصادر للطاقة.

بعض أشكال بطاريات الليثيوم أيون
بعض أشكال بطاريات الليثيوم أيون

في حال كان لديك أحد أو كلّ الأسئلة الآتية: (ما الذي يميّز بطاريّات الليثيوم أيون؟ ما الذي يجب أن أعرفه قبل أن أستخدم بطاريّات من هذا النوع في مشروعي؟ كيف يمكن شحن وتفريغ هذه البطاريات بشكل آمن؟) وكان لديك الفضول لتعرف الأجوبة عليها، فقد وصلت إلى المكان المناسب تماماً، اقرأ هذا المقال لتجيب عن كلّ هذه التساؤلات.

تاريخ بطاريات الليثيوم أيون

تمّ التفكير ببطاريات الليثيوم أيون لأوّل مرّة في العام 1912 من قبل العالم G.N Lewis، ولكن لم تصبح قابلة للتحقيق حتى العام 1970، حيث وُضعت أوّل بطارية ليثيوم أيون غير قابلة لإعادة الشحن في الأسواق.

لاحقاً في الثمانينيات حاول المهندسون أن يصنعوا أوّل بطارية قابلة لإعادة الشحن باستخدام الليثيوم كمصعد، وكانت تلك التجربة ناجحة جزئيّاً، حيث فشل المهندسون في ملاحظة أنّ كون هذه البطاريات غير مستقرّة خلال عملية الشحن، وأنّها تعاني قصراً داخليّاً ممّا يؤدّي إلى ارتفاع درجة الحرارة بشكل كبير.

في عام 1991 انفجرت واحدة من بطاريات الليثيوم المستخدمة في هاتف محمول في وجه رجل في اليابان، وبعد هذه الحادثة حتى تمّ اكتشاف وجوب التعامل مع بطاريات الليثيوم أيون بحذر شديد، وتمّ سحب عدد هائل هذه البطاريات من الأسواق من قبل المصنّعين بسبب قضية السّلامة.

لاحقاً وبعد الكثير من الأبحاث قدّمت شركة سوني بطاريات الليثيوم أيون المتطوّرة والتي تعتمد على تركيبة كيميائيّة جديدة ما زالت تُستخدم حتى هذا التاريخ.

تركيب بطارية الليثيوم أيون وطريقة عملها

كما يشير اسم البطارية بوضوح، فإنّ بطاريات الليثيوم أيون تعتمد على أيونات الليثيوم في عملها، يعدّ معدن الليثيوم معدناً خفيفاً للغاية كما يمتلك كثافة طاقيّة (Energy density) عالية، تمنح هذه الخاصيّة البطاريات صفة خفة الوزن وصغر الحجم وقدرتها على إعطاء تيّار مرتفع، تعبّر الكثافة الطاقيّة عن كميّة الطاقة التي يمكن تخزينها في واحدة الحجم، وكلّما زادت هذه القيمة كلّما كان حجم البطارية أصغر، وعلى الرّغم من الخواص الرّائعة التي يتميّز بها الليثيوم، فلا يمكن أن يتمّ استخدامه كقطب مباشرة في البطاريات، وذلك لكونه غير مستقر بسبب طبيعته المعدنيّة، ولذلك يتمّ استخدام أيونات الليثيوم والتي تملك مواصفات الليثيوم المعدني ذاتها بقدر قليل من التفاوت، ولكنّها مادة غير معدنية وأكثر أمناً في الاستخدام مقارنةً به.

عادةً ما يصنع القطب الموجب في بطاريات الليثيوم أيون من الكربون والقطب السّالب من أوكسيد الكوبالت أو أوكسيد معدن آخر، كما يكون المحلول الناقل المستخدم للتوصيل بين القطبين مكوّناً من محلول ملحي بسيط يحتوي على أيونات الليثيوم، وعند تفريغ البطارية تتحرّك الأيونات الموجبة الشحنة إلى المهبط وتجعل شحنته موجبة ممّا يجعل المهبط يجذب الإلكترونات إليه، وتتدفّق هذه الإلكترونات في الدّارة ممّا يؤدّي إلى تزويدها بالطاقة.

وبنفس الطريقة خلال شحن البطارية يحدث العكس تماماً، حيث تقوم الإلكترونات بالدّخول إلى البطارية، وبالتالي تتحرّك أيونات الليثيوم إلى المصعد ممّا يفقد المهبط شحنته السالبة.

 

مقدّمة إلى بطاريات الليثيوم أيون

تعدّ خلايا الليثيوم 18650 أكثر أنواع بطاريات الليثيوم استخداماً، ولذلك سنناقش هذا النوع في المقال التالي حيث تظهر خلية 18650 في الشّكل 2.

بطاريات ليثيوم أيون
بطاريات ليثيوم أيون

كما هو الحال بالنسبة لكلّ أنواع البطاريات فإنّ بطاريات الليثيوم أيون لها تصنيف من حيث الجهد والسّعة، الجهد الاسمي لكلّ بطاريات الليثيوم هو 3.6 V، فإذا كنت بحاجة إلى جهدٍ أعلى فيتوجّب عليك أن تجمع بطاريتين أو أكثر على التسلسل لتحصل عليه.

نظريّاً كلّ خلايا الليثيوم أيون سيكون لها جهد اسمي يقدر بـ ~3.6 V. يمكن أن يهبط هذا الجهد حتى 3.2V في حال كانت البطارية مفرغة بالكامل، كما يمكن أن يصل حتى 4.2V في حال الشحن كامل.

يجب علينا أن نتذكّر دائماً أنّ تفريغ البطارية حتى ينخفض جهدها أقل من 3.2V أو شحنها حتى يتجاوز 4.2V سيتسبّب بتضرّر البطارية بشكل دائم، كما قد يسبّب انفجار البطارية.

سنقوم بتحديد بعض المصطلحات المرتبطة ببطاريات 18650 حتى نتمكّن من فهمها بشكل أفضل (تذكر أنّ الشرح الآتي ينطبق على خلية 18650 واحدة فقط، سنتعمق لاحقاً في مجموعات بطاريات الليثيوم أيون حيث يتمّ توصيل أكثر من بطارية واحدة على التسلسل أو التفرع للحصول على جهود وتيارات أعلى).

الجهد الاسمي (Nominal Voltage): هو التصنيف الفعلي لجهد خلية الليثيوم 18650، وافتراضيّاً يقدر بـ 3.6V ويظلّ ثابتاً بالنسبة لهذا النوع بغض النظر عن الشركة المصنعة.

جهد التفريغ التام (Full discharge voltage): يجب ألا نسمح بأي حال من الأحوال أن يتمّ تفريغ خلية من النوع 18650 إلى جهد أقل من 3.2V، فإنّ حدوث ذلك سيعمل على تغيير المقاومة الداخلية للخلية، وهو ما سيؤدّي إلى تضرّر البطارية بشكل دائم وقد يؤدّي إلى حدوث انفجار.

جهد الشحن التام (Full charge voltage): إن أقصى جهد شحن لخلايا الليثيوم هو 4.2V، ويجب أن نتأكّد أنّ جهد البطارية لن يتجاوز هذه القيمة في أي وقت من الأوقات.

السعة (mAh Rating): عادة ما تحدّد سعة البطارية باستخدام واحدة mAh (ميلي أمبير ساعي)، وتتراوح هذه القيمة حسب البطارية التي اشتريتها، فعلى سبيل المثال إذا كان لدينا خلية بسعة 2000mAh (وهو ما يعني 2Ah) أي أنّنا إذا قمنا بسحب تيار بمقدار 2A من هذه البطارية فإنّها ستدوم لمدة ساعة واحدة، وبنفس الحال إذا قمنا بسحب تيار 1A منها فإنّها ستدوم لمدّة ساعتين، فإذا أردت أن تعرف كم من الوقت ستستمرّ فيه البطارية بتزويد المشروع بالطاقة الكهربائيّة فيمكنك أن تعرف ذلك باستخدام تصنيف السعة عبر المعادلة التالية:

وقت التشغيل (مقدراً بالساعة) = التيار المستجر من البطارية ÷ السعة

حيث يجب أن يكون التيار المستجر من البطارية ضمن حدود تصنيف التيّار المحدّد للبطارية.

تصنيف التيار (C Rating): إذا ما كنت تتساءل عن التيار الأقصى الذي يمكن أن تستجره من البطارية فإنّ الجواب يكمن في تصنيف التيار للبطارية، يتغير تصنيف التيار من بطارية إلى أخرى، فعلى سبيل المثال إذا كان لدينا بطارية بسعة 2Ah وتصنيف التيار لها 3C فهذا يعني أنّ هذه البطارية يمكن أن تعطي تياراً أعظميّاً يساوي ثلاثة أضعاف السّعة، وفي حالة هذه البطارية نقول أنّها يمكن أن تعطي تياراً يصل حتى 6A (3*2=6)، بشكل عام فإنّ خلايا 18650 لها تصنيف تيار 1C.

التيار الأعظمي الذي يمكن استجراره من البطارية = سعة البطارية * تصنيف التيار

تيار الشحن (Charging Current): وهو خاصيّة هامّة أيضاً بالنسبة للبطاريات، وإذا كان التيار الأعظمي الذي تقدّمه البطارية يساوي 6A فهذا لا يعني أنّه بإمكانك أن تشحن البطارية بتيار 6A، حيث أنّ تيار الشحن الأعظمي يذكر في جدول مواصفات البطارية وقيمته متغيّرة من بطارية إلى أخرى، عادة ما يكون تيار الشحن 0.5C أي أنّه نصف قيمة سعة البطارية، فلبطارية سعتها 2Ah يكون تيار الشحن المناسب لها هو 1A.

وقت الشحن (Charging Time): يمكن حساب أقصر وقت يلزم لشحن بطارية ما باستخدام قيمة تيار الشحن وسعة البطارية، على سبيل المثال فإنّ بطارية بسعة 2Ah وتيار الشحن لها 1A تحتاج تقريباً إلى ساعتين من الشحن على اعتبار أنّ الشاحن يستخدم تيار شحن ثابت خلال العمليّة.

المقاومة الداخليّة (Internal Resistance): يمكن تحديد صلاحية البطارية وسعتها عن طريق قياس المقاومة الداخلية للبطارية، والمقاومة الداخلية لا تتعدّى كونها قيمة المقاومة بين القطب الموجب والقطب السّالب للبطارية.

إنّ قيمة المقاومة الداخلية المثالية للبطارية تكون مذكورة في جدول مواصفات البطارية، كلّما انزاحت قيمة المقاومة الداخلية الفعلية عن القيمة المحدّدة كلّما قلّت كفاءة البطارية، بالنسبة لخلايا 18650 فتكون قيمة المقاومة الداخلية في نطاق ضيق (عدة ميلي أومات) ويوجد أدوات مخصّصة لقياس المقاومات الداخلية.

طريقة الشحن (Charging Method): يوجد العديد من طرق الشحن المستخدمة لشحن بطاريات الليثيوم أيون، ولكن تعدّ طريقة الخطوات الثلاثة أكثرها شيوعاً.

الخطوات الثلاثة هي الشحن بتيار ثابت ثمّ الشحن بجهد ثابت وأخيراً الشحن النبضي.

في خطوة الشحن بالتيار الثابت يتمّ شحن البطارية بتيار ثابت عن طريق تغيير جهد الشحن، ويتمّ استخدام هذه الطريقة حتى يتمّ شحن البطارية حتى مستوى محدّد، ثمّ تبدأ خطوة الشحن بالجهد الثابت، حيث يتمّ الحفاظ على جهد شحن يساوي 4.2V، وأخيراً تبدأ خطوة الشحن النبضي حيث يتمّ تمرير نبضات من التيار إلى البطارية لزيادة طول دورة حياة البطارية، كما يوجد طريقة أكثر تعقيداً تتكون من سبع مراحل خلال الشحن، ولكنّنا لن نتطرّق لها هنا.

حالة الشحن% (State Of Charge): وهي سعة البطارية بتعبير آخر وتشابه مؤشر البطارية في الهواتف المحمولة، لا يمكن حساب سعة البطارية ببساطة عن طريق جهدها فقط، فعادة ما يتمّ حساب حالة الشحن بالتعاون مع التيار لتحديد الشحنة الموجودة في البطارية.

عمق التفريغ % (Depth Of Discharge): ويعني إلى أي حدّ يمكن تفريغ البطارية من الشحن، لا يوجد بطاريات يمكن تفريغها بنسبة 100% لأنّه من المعلوم للجميع أنّ هكذا تفريغ سيعطب البطارية، بشكل عام نقول أنّ عمق التفريغ يعادل 80% بالنسبة لكلّ البطاريات.

أبعاد الخلية (Cell dimension): وهو خاصيّة مهمّة ومميّزة بالنسبة لخلايا 18650، حيث أنّ كلّ خلية لها قطر 18mm وارتفاع 650mm ومن هذين الرقمين أتت تسمية الخلية.

 

أسهل طريقة لاستخدام خلية 18650

إذا كنت مبتدئاً للغاية وبدأتَ للتو باستخدام خلايا 18650 لتزويد مشروعك بالطاقة فإنّ أسهل طريقة ستكون استخدام دارات مصنعة مسبقاً يمكنها شحن وتفريغ الخلية بشكل آمن، من الأمثلة على وحدات البطاريات الوحدة TP4056 التي تتعامل مع خلية 18650 واحدة فقط.

إذا احتاج المشروع إلى جهد أكثر من 3.6V فيجب عليك أن تقوم بتوصيل خليتين على التسلسل للحصول على جهد 7.4V، وفي هذه الحالة يجب أن تستخدم وحدة شحن مثل الوحدة 2S 3A Li-ion والتي تعتبر مفيدة في شحن وتفريغ البطاريات بأمان.

في حال الجمع بين خليتين أو أكثر من النوع 18650 لا يمكننا أن نستخدم تقنيات اللحام التقليديّة للتوصيل بين البطاريات بل يجب استخدام تقنية لحام النقطة، كما يجب أخذ الحيطة عند القيام بتوصيل خلايا 18650 على التسلسل أو التفرع كما سنوضح تالياً.

 

مجموعات بطاريات الليثيوم أيون (مجموعات على التسلسل والتفرّع)

يمكن أن تقوم خلية أو خليتان 18650 بتغذية الأجهزة المحمولة الصغيرة في غالب الأحيان، حيث يكون مستوى التعقيد في هكذا تطبيقات قليلاً نظراً لقلّة عدد البطاريات المستخدمة، ولكن في التطبيقات الكبيرة (الدرّاجات الكهربائيّة أو سيارات تيسلا) فإنّنا بحاجة إلى توصيل عدد كبير من الخلايا على التسلسل والتفرع للحصول على الجهد والسعة المطلوبين، فعلى سبيل المثال فإنّ سيارة تيسلا الكهربائيّة تحتوي على أكثر من 6800 خلية ليثيوم كلّ منها تعطي 3.7V وبسعة 3.1Ah، ويوضّح الشّكل 3 كيفيّة ترتيب هذه الخلايا ضمن هيكل السّيارة.

مجموعة بطاريات ليثوم أيون في سيارة تيسلا الكهربائية
مجموعة بطاريات ليثوم أيون في سيارة تيسلا الكهربائية

 

مع استخدام عدد كبير من الخلايا في المشروع فإنّنا بحاجة إلى دارة مخصّصة لشحن ومراقبة وتفريغ البطاريات بشكل آمن، نسمّي هذا النظام المخصّص بنظام مراقبة البطارية (Battery monitoring system)، مهمّة نظام مراقبة البطارية هي مراقبة جهد كلّ خلية ليثيوم والتحقق من حرارتها، وزيادة على ذلك يقوم النظام بمراقبة تيار الشحن والتفريغ للخلايا.

عند جمع أكثر من خلية لتكوين مجموعة يجب أن يراعى كون الخلايا تعتمد على نفس التفاعل الكيميائي والجهد والسعة والمقاومة الداخليّة، وخلال عملية الشحن يتأكّد نظام مراقبة البطارية من شحن الخلايا وتفريغها بشكلٍ متساوٍ لكي تحافظ البطاريات كلّها على نفس الجهد في كلّ الأوقات وهو ما يدعى بتوازن الخلايا، فيما عدا ذلك يجب على المصمّم أن يفكر بعمليّة تبريد هذه البطاريات خلال الشحن والتفريغ لأنّها لا تتجاوب بشكل جيد عند ارتفاع درجة حرارته.

 


المصدر: هنا
ترجمة :لؤي أزدشير ديب , مراجعة:علي العلي , تدقيق لغوي: سلام أحمد ,تصميم :علي العلي ,تحرير: كرم ديوب.