الشّحن اللاسلكيّ هو عمليّة إعادة شحن بطاريّات الأجهزة الالكترونيّة دون الحاجة إلى وصلها مباشرةً عبر الأسلاك والكابلات إلى مصدر الطّاقة (المقبس الكهربائيّ)، بحيث يسهُل على المُستخدمين عمليّة شحن هواتفهم أثناء التّنقُّل دون الحاجة لتوصيلها بمقابس الكهرباء، أي تُشحن الهواتف الذّكية القابلة للشَّحن اللاسلكيّ والأجهزة الأُخرى الأكثر تعقيداً إمّا بوضعها على طاولة قهوة، أو بركنها في المرآب كما هو الحال بالنّسبة للسيارات الكهربائيّة وكذلك بالاعتماد على الطّرق المزوّدة بتقنيات الشّحن اللاسلكيّ، ممّا يساعد في حلّ جميع المشاكل المُتعلِّقة بالسّلامة المترافقة مع عمليّة الشّحن باستخدام الأسلاك ، وهذا ما يفتح الآفاق أمام نوعٍ جديدٍ من الحريّة للمستخدمين.
الشحن للاسلكي
الشحن للاسلكي

يعود تاريخ الشّحن اللاسلكيّ إلى أواخر القرن التّاسع عشر، عندما طوّر العالم نيكولا تيسلا (Nikola Tesla) ملفّ تسلا (Tesla coil) الّذي كان من المُفترَض أن يساعد في نقل الطّاقة لاسلكيّاً، لكنّ هذه التجربة فشلت في ذلك الحين لكنّها أثارت الاهتمام في هذا المجال، وبدأ الكثير من الأشخاص العمل على إنجاح تلك الفكرة، حيث بدأ معهد ماستشوسس للتكنولوجيا (MIT) عام 2006 بإجراء التجارب التي يُستخدم فيها طنين الاقتران (Coupling Resonance) لنقل كمّيةٍ كبيرةٍ من الطّاقة، ممّا مهّد الطّريق أمام العديد من تقنيّات الشّحن اللاسلكيّة المُستخدمة في يومنا هذا.

كيف يتم نقل الطّاقة لاسلكيّاً؟

يُعرف الشّحن اللاسلكيّ أحياناً باسم الشّحن بالتّحريض وذلك لأنّهُ يعتمد على مبدأ التّحريض الكهرومغناطيسيّ، ويتحقّق الشّحن اللاسلكيّ كما الاتّصال اللاسلكيّ من خلال جهازَي إرسالٍ واستقبالٍ للطّاقة اللاسلكيّة، حيثُ يُعرف المرسِل الخاصّ بالشّحن اللاسلكيّ أحياناً بقاعدة الشّحن المُرفقة بمنفذٍ للطّاقة، فيرسل الطّاقة عبر هذا المنفذ إلى المستقبِل الموصول بشكلٍ دائمٍ بالجّهاز المُراد شحنه، ويوضع على مقربةٍ من قاعدة الشّحن اللاسلكيّة.

فيما يلي رسمٌ تخطيطيٌّ لوصف مكوّنات نظام الشّحن اللاسلكيّ وعمليّة الشّحن.

مكوّنات الشّحن اللاسلكيّ وعمليّة الشّحن
مكوّنات الشّحن اللاسلكيّ وعمليّة الشّحن

كما ذكرنا سابقاً، يعتمد الشّحن اللاسلكيّ على مبدأ التّحريض المغناطيسيّ المُستخدَم في محوِّلات الطّاقة الكهربائيّة والمولِّدات والمحرِّكات، بحيث يؤدّي مرور التيّار الكهربائيّ عبر ملفٍّ (وشيعة) إلى تغيير المجال المغناطيسيّ حول ذلك الملفّ والّذي يحرِّض بدوره تيّاراً (يُسمّى بالتيّار المتحرِّض) في ملفٍّ آخر يجاوره، وهذا هو المبدأ الكامن وراء نقل الطّاقة الكهربائيّة بين الملفّ الأوّليّ والثّانويّ في محوِّلٍ كهربائيٍّ بالرّغم من أنَّها تبدو معزولةً كهربائيَّاً.

ننتقل الآن إلى المرسِل والمستقبِل حيث يمتلك كلٌّ منهما ملفّاً فيُشبَّه الملفّ الخاصّ بالمرسِل بالملف الأساسيّ، بينما يُشبَّه الملف الخاصّ بالمستقبِل بالملف الثّانوي لمحوِّل الطّاقة الكهربائيّ، فعندما توصل قاعدة الشّحن بمولّد التيّار المتناوب يتحوّل هذا التّيار إلى تيّارٍ مستمرٍّ وذلك عند مروره بنظام التقويم ثم إلى نظام التّبديل، والسبب في هذا التّحويل لتمكين توليد التدفق المغناطيسيّ المتغيّر اللّازم لحثّ الشّحنات في ملفّ المستقبِل، وبعد ذلك يُجمِّع ملفّ المستقبِل الطّاقة القادمة ويمرّرها إلى دارة المستقبِل والتي بدورها تحوِّل الطّاقة القادمة إلى تيّارٍ مستمرٍّ DC، ثُم تزوّد بالطّاقة المستقبَلة هذه ليبدأ شحن البطارية.

تنتقل الطّاقة بسبب تغيّر التدفق المغناطيسيّ والّذي ينشَأ عن تغيّر شدّة التيّار المتناوب المارّ في وشيعة المرسل ثم تحويل تغيّر التدفّق هذا إلى تيّارٍ كهربائيٍّ في وشيعة المستقبل، حيث تعتمد كميّة التيّار الكهربائيّ المتولّدة على كميّة تغيّر تدفّق الحقل المغناطيسيّ المحرَّضة من قبل المرسل، كما وتعتمد أيضاً على مقدار التدفّق الذي يمكن لملفّ المستقبل التقاطه.

تعتمد كمية التدفّق التي يلتقطها جهاز الاستقبال على “عامل الاقتران” الذي يُحدَّد من خلال حجم ومسافة وموضع ملفّ المستقبل بالنسبة لملفّ المرسل وهذا يعني أنَّ عامل الاقتران الأكبر سيؤدي إلى نقل طاقةٍ أعلى، وصُمّمَت محطّات شحنٍ لاسلكيّة محدّدةٍ ومتعدّدة ملفّات الإرسال وذلك لزيادة عامل الاقتران، كما هو موضّح في الشكل التالي:

محطّات الشّحن اللاسلكيّة.
محطّات الشّحن اللاسلكيّة.

معايير الشّحن اللاسلكيّ:

تشير معايير الشّحن اللاسلكيّ إلى مجموعة القواعد التي تتحكّم بتصميم وتطوير الأجهزة اللاسلكيّة، ويوجد حاليّاً معياران صناعيّان مختلفان للشّحن اللاسلكيّ يُروَّج لهما من قبل هيئات مختلفة وهما:

  1. معيار ريزنس Rezence Standard.
  2. المعيار القياسيّ QI Standard.

يعتمد معيار ريزنس على التّحريض المغناطيسيّ أي على الشّحن عن طريق الرّنين المغناطيسيّ؛ وبمعنى آخر يحدث هذا الشّحن عندما يكون ملفَّي المرسل والمستقبل في حالة تجاوبٍ مغناطيسيٍّ ( رنينٍ مغناطيسيٍّ)، وبالتالي يحقّق هذا المعيار مسافةً قياسيّةً بين المرسل والمستقبل لتتمكّن الأجهزة من الشّحن لاسلكيّاً عبر مسافاتٍ كبيرةٍ، ويتمّ الترويج لهذا المعيار من قبل منظّمة Alliance for wireless power أو (A4WP).

ومن جهةٍ أُخرى يحقّق المعيار القياسيّ QI نقل الطّاقة اللاسلكيّة باستخدام الاقتران بين الملفّات، وبخلاف معيار ريزنس فهنا تُصَمَّم ملفّات المرسل والمستقبل لتعمل على تردّداتٍ مختلفةٍ قليلاً حيث يُعتقَد أنّه باستخدام هذا الإعداد يزداد نقل الطّاقة.

بدأ اتحاد الطّاقة اللاسلكيّ الترويج لهذا المعيار QI والذي يضم أعضاء مثل: Apple Inc.، Qualcomm، وHTC على سبيل المثال.

يمكنك اختيار المعيار اللاسلكيّ المناسب لتطبيقك من خلال النّظر والموازنة بين تداخلات الحقل المغناطيسيّ الناتجة (EMI) والكفاءة المطلوبة مع حريّة المواءَمة بين المعيارين، ومن الجدير ذكره بأنّه صُمِّمت بعض الشواحن اللاسلكيّة لدعم كلِا المعيارين بحيث تُوفّر هذه الإمكانيّة التّشغيل المتداخل العالي بين الأجهزة.

تصميم شاحنٍ لاسلكيٍّ بسيط:

قبل البدء بتصميم نظام الشّحن اللاسلكيّ يجب أخذ ما يلي بعين الاعتبار:

  1. المعيار: يجب تحديد معيار الطّاقة اللاسلكيّة كخطوةٍ أولى لإعداد جهازٍ له مميّزات شحنٍ لاسلكيّةٍ، بحيث يناسب هذا المعيار الجهاز وحالات الاستخدام الخاصّة به، كما يُؤخذ بعين الاعتبار وجود أنظمة شحنٍ تتوافق مع معاييرٍ متعدّدة.
  2. اختيار الملف (الوشيعة): الخطوة التالية في الاختيار هي نوع الملفّ وترتيب اللّفات بحيث تناسب الاستخدام (التطبيق)، حيث يقدّم البائعون هذه اللّفات وفقاً للمعايير القياسيّة ، لذلك ينبغي أن يستند الاختيار على أساس توصية ورقة البيانات (المعلومات الخاصّة بالملف) DataSheet الخاصّة بالدّارة المتكاملة (IC) المستخدمة في دارة المرسل الذي سيتمّ استخدامه.
  3. الغلاف: من الضروري عند تصميم الأنظمة اللاسلكيّة ألّا تتضمن الأجهزة أي نوعٍ من المعادن وأن تكون ذات سطحٍ مستوٍ نسبيّاً لتحقيق عامل اقترانٍ أعلى بين المرسل والمستقبل، وذلك لأنّ المعدن يمنع بشدةٍ انتقال الطّاقة ووصولها إلى المستقبل لذلك يُصمَّم الغلاف من مادة البلاستيك ويراعى أن يكون رقيقاً جداً.

تصميم المرسل:

يتكوّن نظام الشّحن اللاسلكيّ من المرسل والمستقبل كما هو موضّحٌ أعلاه، أمّا الرسم التخطيطيّ التّالي يوضّح نموذجاً لدارة المرسل:

نموذج لدارة المرسل.
نموذج لدارة المرسل.

يتشكّل المرسل من ثلاثة مكوّناتٍ رئيسيّةٍ وهي: مصدر الطّاقة (مولّد الطّاقة)، ملفّ الإرسال، ودارة التّبديل حيث يكون مصدر الطّاقة عادةً مستمرّاً DC مُقوّماً من تيار متناوب AC، وتُستخدَم دارة التّبديل بعد التقويم لتوليد الإشارة التبادليّة المُستخدمة في إنشاء الحقل المغناطيسيّ المتغيّر للتحريض على نقل التيّار من المرسل للمستقبِل عبر ملفّ الإرسال.

تصميم المستقبِل:

يشبه تصميم المستقبل تصميم المرسل فيما عدا أنّ الإجراء يحدث بترتيبٍ معاكسٍ حيث يتكوّن المستقبل من ملفّ المستقبل وشبكة تجاوبٍ ومقوِّمٍ ودارة شاحنٍ متكاملةٍ (Charger IC) تستخدم مخرجات دارة المقوِّم لشحن البطاريّة المتّصلة، وتظهر الصّورة التّالية مثالاً لنموذج دارة المستقبل مع الأجزاء الوظيفيّة المميّزة حيث يستند هذا المثال على LTC4120 للشّحن المستمرّ.

 

نموذج لدارة المستقبِل.
نموذج لدارة المستقبِل.

التطبيقات:

يُستخدم حالياً الشّحن اللاسلكيّ في العديد من التطبيقات مثل:

  • الهواتف الذكيّة.
  • أجهزة الكمبيوتر المحمولة والأجهزة اللّوحيّة.
  • الأدوات الكهربائيّة والروبوتات الخادمة (روبوتات الخدمة) كالمكانس الكهربائيّة.
  • الألعاب الكهربائيّة.
  • أجهزة طبيّة.
  • الشّحن في السيارات.

وذلك بالإضافة إلى الأسباب الّتي تدفعك لاستخدام الشّحن اللاسلكيّ، مثل عدم الحاجة لوصل الهاتف عبر الشّاحن بالمقبس، وعدم وجود مشاكلٍ في توافق المكونات، حيث يوفّر هذا النوع من الشّحن الأمان من الخاطر المتعلِّقة بالاتّصال المباشر بالتيار الكهربائيّ، علاوة على ذلك يمكن الاعتماد عليه في بيئاتٍ صعبةٍ كالحفر والتّعدين ويسمح بشحنٍ سلسٍ أثناء الحركة، ومن أهمّ الميزات لهذا النوع هو التخلُّص من التشابك والفوضى الأُخرى الناتجة عن استخدام الأسلاك.


المصدر: هنا
ترجمة: سارة خضر، مراجعة: لؤي أزدشير ديب، تدقيق لغوي: مي همدر، تصميم : علي العلي، تحرير: علي العلي