في مقدّمة حديثِه إلى مجلة (DesignCon 2019)، يناقش عالِم الفيزياء بجامعة كاليفورنيا في مدينة بيركلي (Berkeley) الدّكتور عرفان صديقي حقائقَ عن الحوسبة الكموميّة، أين هي التّكنولوجيا اليوم؟ وإلى أين تتجه؟
الحوسبة الكموميّة هي إحدى المصطلحات التّي سمعها الكثيرون منّا، ولكن في الحقيقة كثيرٌ منّا لا يعلم معناها، حيث كَثُرَ الحديث في الآونة الأخيرة عن التّقنيّات الكموميّة واستثماراتها في الفضاء التّي وصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق (حوالي 177 مليون دولار) وذلك وفقاً لتقديرات المحللين، ومن المتوقّع أن يرتفع هذا الرّقم بسرعة ليصلَ إلى 15 مليار دولار بحلول عام 2028.إذاً، لماذا كلّ هذا الحماس؟ وماهي الحوسبة الكموميّة بالضّبط؟ هل نتحدّث فقط عن معالجة أسرعَ وتخزين أفضل؟يقول الدّكتور عرفان صديقي -وهو أستاذ الفيزياء في مختبر علم الكمّ النّانوي وفي قسم الفيزياء في جامعة كاليفورنيا بمدينة بيركلي (Berkeley)- أنّ تقنيّات الكمّ تمثّل طريقة جديدة كليّاً للتّفكير بالحوسبة.خلال حديثه إلى DesignCon 2019 تحدّث الدّكتور عرفان صديقي مع Design News للتّفريق بين الحقائق والضّجّة الإعلاميّة للحوسبة الكموميّة، أين هي هذه التّقنيّة اليوم؟ وما التّأثير الذّي يمكن أن تُحدثه في المستقبل؟
صحيفة DN) Design News) : بدايةً، ما هو تعريفك للحوسبة الكموميّة؟ الدّكتور عرفان صديقي : بالنّسبة لي، إنّ أيّ تقنيّة كموميّة، بما في ذلك الحوسبة الكموميّة، هي شيء يستفيد من التّشابك, والتّشابكُ هو فكرة أنّه إذا كان لديك أجزاء مختلفة من مادّة وقمت بتجميعهم فإنّ هذه الأجزاء تتصرّف كوحدة متكاملة، لذلك على سبيل المثال، كل بت (bit) في الكمبيوتر التّقليدي مستقلّة عن البتات (bits) الأخرى، وبالتّالي إذا قمت بتغيير قيمة أحد هذه البتات فإنّ ذلك لن يؤثّر على البتات الأخرى، ولكن في الحاسب الكموميّ كلّ هذه البِتات لديها ترابط فيما بينها، وتكون متّصلة مع بعضها ككتلة واحدة كبيرة.
في الواقع عدد الحالات التّي يمكنها تشغيلها أكبر بكثير بسبب هذه الرّوابط بين العناصر المتجاورة.
الحوسبة الكموميّة: هي علم التّلاعب بهذه المجموعة المتشابكة من البِتات من أجل مشكلة معيّنة تختصّ إمّا بالعلوم الأساسيّة، أو الحساب، أو لإنجاز محاكاة للعالَم الطبيعيّ (المحيط الطبيعيّ).صحيفة DN) Design News): إذاً هل السّرعة وقدرة المعالجة هي المزايا الوحيدة هنا؟ أم أنّنا نتطلّع إلى أشياء أخرى أيضاً؟

 الدّكتور عرفان صديقي : أودّ أن أقول: إنّه سيكون هناك ما هو أعمق من ذلك بقليل، على الرّغم من أنّ ذلك الكلام صحيح، إلّا أنّ قدرة الكَمّ تأتي بسبب أنّه يغيّر نوع المشاكل التّي تستطيع حلّها، ذلك أنّ الأمر ليس كما لو أنّه أسرع قليلاً من الآلة التقليديّة، بل إنّه سيأخذ تلك المسائل المستحيلة بالنّسبة للآلة التقليديّة ويجعلها ممكنة في الوقت الحقيقي, والسبب في ذلك هو البنية التّي تمتلكها آلات الكَمّ، حيث تُخزّن المعلومات بسعة أكبرَ بكثير، وهذا يسمح لك بمعالجة الأشياء بطرق مختلفة جدّاً وليست فقط أسرع، بل هي حقّاً مسائل مختلفة، حيث أنّ المسائل المستعصية على الحلّ في المجال التقليديّ تصبح قابلة للحلّ باستخدام أجهزة الكَمّ.

صحيفة DN) Design News) : ما هو نوع هذه المسائل؟

 الدّكتور عرفان صديقي : المسألة التّي تُعطى عادةً للحساب العام هي تحليل عدد إلى عوامله الأوليّة، وهذا المثال مميّز للحوسبة الكموميّة.

خوارزميّة شور Shor’s Algorithm: هي الخوارزميّة التّي تُستخدَم عادة لتحليلِ عدد إلى عوامله الأوليّة، هذا النّمط من الحماية هو الأكثر استخداماً، حيث أنّ قدرة الحواسيب التقليديّة على مضاعفة الأعداد وعدم قدرتها على تحليلها إلى عواملها هو ما تستند إليه العديد من خوارزميّات الأمان.
لكنّ حواسيب الكَمّ يمكن أن تفعل ذلك بسهولة، “إذاً، هذا مشفّر بشكل جيّد جدّاً، لغة تشفير، مثال عن الاتصالات”.
المزيد عن المجال العلمي: إذا نظرنا إلى بنية الجزيئات الكيميائيّة -على الرغم من أنّ نظرية الميكانيك الكمّي أخبرتنا منذ حوالي مئة سنة حول كيفيّة حل تركيبها الطاقي -فنحن غير قادرين على القيام بذلك من أجل شيء ما يتجاوز ترتيبه العشر ذرات.
لذلك فمن المفاجئ أنّه حتّى مع أفضل الحواسيب، لا يمكنك حلّ شيء ما أكثر من عشر ذرّات، ويوجد العديد والعديد من الذرّات التّي تشكّل حتى أبسط الجزيئات، ولكن باستخدام أجهزة الكَمّ سنكون قادرين من حيث المبدأ على فهم ديناميكيّة التّركيب الكيميائي للأشياء الأكبر بكثير من ذلك العدد، والتي يمكن أن يكون لها نتائج عميقة جدّاً على الخلايا الشمسيّة الاصطناعيّة، أنواع جديدة من الأسمدة، أنواع جديدة من المحفّزات، كلّ الأنواع المتضمّنة في علم المواد التي لا يمكن الوصول إليها باستخدام الحسابات التقليديّة.

صحيفة DN) Design News): إذاً، ما مدى جدوى بناء حاسب كموميّ؟

 الدّكتور عرفان صديقي : إن ما يتضمّنه بناء آلة كموميّة هو أنّه يتوجّب علينا زيادة حجم الحاسب شيئاً فشيئاً.

إنّ هذا يبدو غريباً بعض الشيء لأنّنا اعتدنا على وجود ترليونات من التّرانزستورات حتّى في أبسط أجهزة الكمبيوتر، حتّى أنّ ساعة يدك ربما تحتوي ترانزستورات أكثر من ذلك بكثير.

مع ذلك على المرء أن يعود نوعاً ما إلى حيث كانت تستخدم الكمبيوترات ذات الأنبوبة الفراغيّة vacuum tube computers (وهي أجهزة حاسوب تَستخدِم الأنابيب المفرّغة من أجل الدّوائر المنطقية ويطلق عليها الآن اسم الجيل الأوّل من الحواسيب) وحتّى قبل ذلك، حيث كنّا نركّب بنية الحاسب خطوة بخطوة ترانزستور مع ترانزستور، وهذه هي الحالة التّي نتعامل فيها مع أجهزة الكَمّ.
بالتّالي فإنّه يبدأ بأخذ نظام فيزيائيّ يظهر ميكانيك الكَمّ.

حاليّاً لدينا نظام فيزيائي مفضّل لأجهزة الكمبيوتر التقليديّة، إنّها تقنيّة السيليكون، ونحن نستخدمها لصناعة الترانزستورات وما إلى ذلك، ولم نصل بعد إلى تقنيّة سحريّة يمكن باستخدامها بناء كمبيوتر كموميّ بسهولة، نحن ما زلنا نستكشف المجال وكلّ أنواع التقنيّات المختلفة التي يمكنها بناء هذه الأجهزة، أحد الأمثلة على ذلك هو استخدام الذرّات الفردية أو الأيونات، بحيث تضع بالضّبط حاسوباً مع ذرّة واحدة في كلّ مرّة، وهذا ما يسمّى حاسوب الكَمّ القائم على أيون.
نحن في بيركلي (Berkeley) نتّخذ طريقة مختلفة، إنّنا نستخدم دارات كهربائيّة مكوّنة من معادن، وكلّ دارة هي دارة قائمة كالهزّاز والنّوّاس، كلّ هزّاز من هذه الهزّازات الكهربائيّة هو كيوبت qubit (quantum bit)، نقوم ببنائها بمعادن فائقة النّاقليّة، وبالتّالي إذا وضعناهم في درجات حرارة منخفضة جدّاً لن يكون هناك ممانعة -حيث أنّ الممانعة هي الّتي تسبّب تباطؤ النوّاس-الفكرة هنا: هي أنّك تودّ بناء دارة اهتزاز لا تتوقَّف لعدد كبير من الاهتزازات، وتسمح بتخزين المعلومات دون فقدانها.
واحدة الكَمّ تلك بُنيَتْ من دارات كهربائية باستخدام معادن فائقة الناقليّة، والهدف هنا هو وضع العديد من هذه الدّارات معاً وربطها وبناء آلة الكَمّ، وقد وصلنا إلى درجة في هذه التقنية بين 10 إلى 100 كيوبت qubits من أجل أيّ نوع سواء كانت الأيونات أو النّواقل الفائقة الناقليّة أو أيّاً كان ما لديك.

صحيفة DN) Design News): هل يكفي 10 أو 100 فقط من الكيوبت من أجل أيّ تطبيق حقيقيّ؟

 الدّكتور عرفان صديقي : أودّ أن أقول: إنّه في المجال التّجاريّ أو الصّناعيّ ليس لدينا في الوقت الحالي آلة كَمّ يمكنها أن تتفوق على آلة تقليديّة، هذا ما يسمّى التفوّق الكوانتي أو هيمنة الكَمّ، حيث أنّه حالياًّ هناك سباق لبناء آلة يمكنها أن تتفوّق على الآلة التقليديّة.


  رابط المقال: هنا
ترجمة: راما سلوم ، مراجعة: عبد الله الفارس ، تدقيق لغوي: سلام أحمد ، تصميم: علي العلي،  تحرير : كريم سلوم