مجال الروبوتات المرنة soft robotics من المجالات الناشئة التي ستغيّر المفاهيم المعتمدة في صنع وتصميم الآلات في الوقت الحاليّ؛ إذ تستند إلى المرونة والقدرة على التكيّف الموجودتين في الطبيعة، مثل حركة الحيوانات، مثل الأخطبوط والديدان. وعلى عكس الروبوتات التقليديّة rigid robots (المصنوعة من موادّ صلبة)، تُصنع هذه الروبوتات من موادّ مرنة قادرة على محاكاة براعة ورشاقة الكائنات الحيّة، إضافةً إلى تغييرها الهيئة التقليديّة للروبوتات وتوفيرها رؤى قيّمة حول تطوّر هذه الحيوانات.
تهدف الروبوتات المرنة إلى محاكاة الكائنات الحيّة والاستفادة من قدراتها المرنة لصنع روبوتات أكثر ملائمة للبيئات المعقّدة والديناميكيّة؛ إذ تملك القدرة على الانحناء والتمدّد وتغيير شكلها، ممّا يجعلها مجهّزة على وجه أفضل للتعامل مع تحدّيات العالم الحقيقيّ، بينما تمتلك الروبوتات التقليديّة قدرة محدودة على التنقّل والتفاعل ضمن بيئات جديدة ذات متغيّرات يصعب التنبّؤ بها.
استعمل باحثو قسم الهندسة الميكانيكيّة في جامعة كارنيجي ميلون إلى جانب علماء الحفريات من إسبانيا وبولندا عام 2023 البقايا الأحفوريّة لإنشاء نسخة روبوتيّة عن الكائن البحريّ (Pleurocystitid)، وهو كائن حيذ عاش قبل 450 مليون سنة، ويُظنُّ أنّه أحد أولى الكائنات شوكيّة الجلد القادرة على الحركة بواسطة جذع عضليّ، ووضّح كبير الباحثين “كارميل ماجيدي Carmel Majidi” في جامعة كارنيجي ميلون: “نحن نصنع روبوتات مشابهة لدراسة كيفيّة تغيّر الحركة، فالعديد من القوانين الأساسيّة لعلم الأحياء والطبيعة لا يمكن تفسيرها تفسيراً كاملاً إلّا من خلال النظر إلى الخطّ الزمنيّ التطوّريّ لتطوّر الحيوانات”.
تظهر العلاقة بين الروبوتات المرنة وتطوّر الحيوانات بوضوح عندما ننظر إلى طريقة تصميم وصنع هذه الروبوتات؛ إذ يستوحي العلماء والمهندسون أفكارهم من الطبيعة، ويدرسون حركة وسلوك الحيوانات ليستندوا عليها في تصميم تلك الروبوتات، فمثلاً، أثّرت قدرة الأخطبوط على الانغلاق في الفتحات الضيّقة والتحكّم بالأشياء بأذرعه المرنة في تطوير الروبوتات المرنة التي تستطيع تنفيذ مهامّ مشابهة، مثل البحث والإنقاذ في المباني المنهارة.
تطوّرت الحيوانات على مرّ القرون ونَمَّت هياكل وسلوكيّات تُحسّن من فرص بقائها وتكاثرها، وتُحاكي الروبوتات المرنة هذه الأساليب التطوّريّة، وستكون النتيجة آلات قادرة على أداء مهامّ بمستوى كان بعيد المنال من التنوّع والكفاءة، فعلى سبيل المثال، ساعدت دراسة ميكانيكا الثعابين الحيويّة (القادرة على التحرّك بسهولة مع غياب أرجلها) في إنشاء روبوتات مرنة يُمكِنها التنقّل في المساحات الضيّقة والمناطق الوعرة، وهذه المحاكاة ليست مجرّد تقليد للطبيعة، بل هي طريقة لاستكشاف المبادئ التي تكمن وراء التكيّفات الملحوظة في الكائنات الحيّة، ومن ثمّ تحقيق إنجازات كبيرة في مجال واسع من التطبيقات، بدءاً من الأجهزة الطبية ومراقبة البيئة، ووصولاً إلى استكشاف الفضاء الخارجيّ.
لكنّ أكثر مجالات هذه الأبحاث إثارة للاهتمام هو تطوير روبوتات مرنة لاستعمالها في دراسات الحياة البرّيّة والدراسات البيئيّة؛ إذ تُصمَّم هذه الروبوتات بشكل يحاكي أنواع محدّدة من الحيوانات، ممّا يسمح للباحثين بمراقبتها والتفاعل معها في بيئتها الطبيعيّة عن بعد، ويمكن لهذا أن يغيّر فهمنا لتصرّفات الحيوانات وللطبيعة من خلال توفير رؤى جديدة عن حياتهم.
ترجمة: | جعفر علي |
مراجعة: | ميس حمود , آلاء محمد آغا |
تدقيق لغوي: | سلام أحمد |
تحرير: | محمد حنان |