يُعَدُّ قياس درجة الحرارة في العمليّات الصناعيّة ودرجة حرارة الآلات أحد متغيّرات التحكُّم الأساسيّة المُستخدمة لضمان جودة المنتجات المُصنّعة في مختلف القطاعات الصّناعيّة، وتُطبَّق حاليّاً طريقتان هما الأكثر استخداماً لقياس درجة الحرارة إلكترونيّاً، الأولى بواسطة العناصر الحراريّة، مثل حسّاسات المقاومة الحراريّة RTD، والثّانية هي المزدوجات الحراريّة.
سنوضّح في هذا المقال ماهيّة حسّاسات المقاومة الحراريّة، والمعروفة بالاختصار RTD، وآليّة عملها، وكيفيّة نقلها الإشارات، إذ يُبيّن اسمها أنّها أداة تكشف درجة الحرارة اعتماداً على المقاومة.

ولفهم آليّة عملها، من الضروريّ فهم بعض أساسيّات المقاومة الكهربائيّة، مثل ماهيّتها وكيفيّة تَولُّدها.
المقاومة الكهربائيّة:
تُعرف المقاومة الكهربائيّة بأنّها قدرة الجسم على ممانعة تدفّق التيّار الكهربائيّ عبره.

وواحدة قيمة المقاومة المعياريّة هي الأوم Ω نسبةً إلى العالم الألمانيّ الفيزيائيّ George Simon Ohm، وتُعبِّر عن نسبة الجهد إلى التيّار. وتُسمّى المادّة التي تملك إلكترونات حرّة تُمكِّن من انتقال الشحنة الكهربائيّة عبرها بسهولة بالمادّة الناقلة (الموصِلة)، وعند تطبيق فرق جهد كهربائيّ على هذه المادّة -مثل وصلها بالبطاريّة- يمرّ عبرها التيّار الكهربائيّ الناتج عن حركة الإلكترونات الحرّة داخل الناقل مُصطَدِمَةً ببعضها وبذرّات الناقل. ونلاحظ أنّ كلّ مادّة ناقلة -وجميع الموادّ عامّةً- تتكوّن من ذرّات تهتزّ قليلاً وفقاً لطاقتها، ومع زيادة عدد التصادمات، تزداد صعوبة مرور التيّار الكهربائيّ في الناقل، وهذا ما يعبّر عن مفهوم المقاومة الكهربائيّة.

العوامل المؤثِّرة في قيمة المقاومة:
تعتمد قيمة المقاومة الكهربائيّة على طول المادّة الناقلة وعرضها ونوعها، ودرجة الحرارة المعرَّضة لها، لذا تتناسب المقاومة طرداً مع طول الناقل، أي تزداد قيمتها بزيادة الطول، أمّا بالنسبة إلى مساحة مقطع الناقل، فتتناسب عكسيّاً معها، أي كلّما زادت مساحة العنصر، كان مرور الإلكترونات خلاله أسهل، أي تنخفض قيمة المقاومة.

ويمكن أيضاً أن تختلف قيمة المقاومة الكهربائيّة وفقاً لاختلاف قيم الجهد والتيّار الكهربائيّ المارّ في الناقل، فكلّما زادت شدّة التيّار الكهربائيّ، سَهُلَتْ حركة الشحنات، وبذلك تنخفض قيمة المقاومة.

ويتناسب فرق الجهد بين طرفي الناقل طرداً مع التيّار المارّ خلاله. أمّا بالنسبة إلى درجة الحرارة، فعندما يُسخّن الناقل، تمتصّ ذرّاته هذه الطاقة الحراريّة؛ ممّا يؤدّي إلى زيادة اهتزاز الإلكترونات وزيادة عدد التصادمات ما بين الإلكترونات الحرّة وذرّات الناقل عند مرور تيّار كهربائيّ عبره؛ ممّا يرفع من قيمة المقاومة لمرور التيّار.
مبدأ العمل:
كما ذكرنا سابقاً، تزداد قيمة مقاومة المعادن الكهربائيّة بارتفاع درجة الحرارة وسخونة المعدن، بينما تقلّ بانخفاض درجة الحرارة وبرودة المعدن، وبذلك نستنتج أنّ مقاومة المعدن لتدفّق التيّار الكهربائيّ عبره تزداد مع ارتفاع الحرارة، أي تنخفض شدّة التيّار المارّ، فيما تقلّ مقاومة المعدن لتدفّق التيّار الكهربائيّ عبره مع انخفاض درجة الحرارة، أي تزداد شدّة التيّار.
وتَستخدم حسّاسات المقاومة الحراريّة هذا الاختلاف في المقاومة الكهربائيّة لقياس التغيُّر في درجة الحرارة. ولكي تكون القراءات المأخوذة من هذه الحسّاسات قابلة للفهم، يجب أن تكون المعادن المستخدمة في صناعتها معروفة وذات مقاومة كهربائيّة معروفة. ومن أكثر حسّاسات المقاومة الحراريّة شيوعاً الحسّاسات البلاتينيّة، مثل PT100 وPT1000 اللذين يملكان مقاومة قيمتها 100 و1000 أوم على التتالي، وأيضًا الحسّاسات المصنوعة من النيكل، مثل Ni500 التي تصل مقاومتها إلى 500 أوم عند الدرجة صفر مئويّة.

مكوّنات حسّاس المقاومة الحراريّ:
يُعدّ عنصر المقاومة أو الحساسيّة العنصر الأساسيّ الذي يكشف درجة الحرارة الفعليّة، ويتوضّع في نهاية الحسّاس، وهو سلك معدنيّ محفور على ركيزة شبكيّة أو سلك ضمن ملفّ كهربائيّ، ويمكن أن يُصنّع من موادّ ذات رقم معيّن من الجدول الدوريّ، مثل البلاتين والنحاس والنيكل.

تُصنّع معظم أنابيب حماية هذه الحسّاسات من الفولاذ المقاوم للصّدأ Stainless steel، الذي يمكن استخدامه في عمليّات تجميع تصل حرارتها إلى 500 فهرنهايت، إذ تُؤمّن هذه الأنابيب حماية إضافيّة للحسّاس نظراً إلى تعرُّضه للرّطوبة وتغيُّرات البيئة الخارجيّة، وبذلك تكون عمليّة قياس الحرارة معياريّة.

وتتعدّد أنواع حسّاسات المقاومة الحراريّة المتوفّرة سواءً بسلكين أو ثلاثة أو أربعة:

ويُعد الحسّاس ذو الأسلاك الثلاثة الأكثر استخداماً في التطبيقات الصّناعيّة. وكما ذكرنا، وحدة قياس المقاومة هي الأوم؛ لذا سنحتاج إلى استنتاج قيمة المقاومة المكافئة الناتجة عن هذه الأسلاك بهذا التوصيل (توصيل دلتا) للاستفادة من خرج الحسّاس، وذلك بوصل أسلاك الحسّاس إلى جهاز إرسال أو متحكّم منطقيّ قابل للبرمجة PLC أو نظام تحكُّم موزع DCS أو حتّى متحكّم PID.

وتُستخدم الدارة الجسريّة المعروفة بجسر ويتستون Wheatstone Bridge لتحقيق ما سبق، إذ تتكوّن من ثلاث مقاومات ومنبع تغذية ومقياس جهد أو محوّل جهد. يتوازن الجسر عندما يكون تدفُّق التيّار المقيس المارّ بين طرفي الجسر صفراً، وهي نقطة ضبط خرج حسّاس المقاومة الحراريّ، وبزيادة درجة الحرارة، تزداد أيضاً قيمة الجهد أو التيّار المقيسة بمقياس الجهد.

مُلخّص:
والآن سنذكر ملخّصاً عمّا شرحناه في هذا المقال:
- تعتمد حسّاسات المقاومة الحراريّة في عملها على اختلاف قيمة المقاومة الكهربائيّة للموادّ الناقلة فيها بسبب اختلاف درجة حرارة البيئة المحيطة بها.
- تتكوّن هذه الحسّاسات من موادّ مقاومِة، وغالباً ما تكون مصنوعة من البلاتين أو النحاس أو النيكل وغيرها.
- تعمل هذه الحسّاسات وفق مبدأ أنّ لكلّ معدن تركيبة مميّزة ومقاومَة معيّنة للتيّار الكهربائيّ.
- تتعلّق مقاومة المادّة بالتغيُّر في درجة الحرارة؛ إذ إنّ ذرّاتها تمتص مزيداً من الطاقة أو تشتِّتها ممّا يُسهِّل تدفّق الإلكترونات أو يصعّبها.
- تحتاج إلى نوع من الأجهزة لإرسال درجة الحرارة، مثل وحدة PLC أو نظام DCS أو متحكّم PID، وذلك لتحويل أيّ تغيير في المقاومة إلى إشارة مفيدة، مثل إشارة جهد أو تيّار، كما يعمل جسر ويتستون.
ترجمة: | اسراء إسماعيل |
مراجعة: | آلاء محمد آغا |
تدقيق لغوي: | سلام أحمد |
تحرير: | نور شريفة |