مقدمة
يعدّ نظام التشغيل لينوكس Linux من وجهة نظر بعض مستخدمي الحاسوب كياناً غامضاً وغير مفهوم، فقد بقي منذ إطلاقه ولوقت طويل على هامش الحوسبة السائدة، لكنّ هذه العقليّة قد تغيّرت مع إدخال تطبيقات أسهل في الاستخدام، وأكثر فعاليّة، ومصمَّمة ليستخدمها مجتمع الحوسبة بشكل عامّ، والخبراء كذلك. كما حقّق نظام التشغيل هذا نجاحات مبهرة في السوق الاستهلاكيّة، ويعدّ خياراً مناسباً ليُستخدم في الأجهزة المدمجة المستعملة في المجالات الصناعيّة. وقد جعل الانتشار المتزايد للمعدّات التي تركّز على تطبيقات إنترنت الأشياء وجودَ نظام تشغيل قادر على تحمّل متطلّبات التقنيّة الذكيّة أمراً ضروريّاً جدّاً. في هذه المقالة سوف نناقش كيفيّة تلبية لينوكس لهذه الاحتياجات، وسبب كونه نظام التشغيل الذي ستستخدمه مع أجهزتك المدمجة.
موجز تاريخيّ عن لينوكس
إنّ لينوكس من أفكار لينوس تورفالدس linus torvalds الذي درس علوم الحاسوب في جامعة هلسنكي أوائل التسعينات، وقد تشجّع لإنشاء نظام تشغيل بسبب التكلفة الباهظة للحصول على نظام التشغيل يونيكس UNIX من أجل حاسوبه الشخصيّ المتوافق مع IBM، فبدلاً من إنفاق آلاف الدولارات لشراء نسخة من يونيكس لجهازه، بدأ تورفالدس العمل بجدٍّ في البرمجة عام ١٩٩١م، واضعاً هدفاً نصب عينيه، وهو أن يبتكر نظام تشغيل مشابهاً من الصفر بمساعدة العديد من المطوّرين الآخرين، وقد تكلّل هذا العمل بإصدار النسخة 1.0 من نواة لينوكس في شباط/فبراير من العام ١٩٩٤م. في البداية كانت مجرد هواية، لكن مع الوقت ازدادت شعبيّة لينوكس حتّى فاقت جميع تصوّرات وأحلام المبرمج الشاب.
لينوكس هو برنامج مفتوح المصدر، معتمَد بشكل كبير في مجتمع الحوسبة العالميّ، ومعنى مفتوح المصدر هو أنّ بإمكان أيّ شخص استخدام أو تعديل البرنامج بالطريقة التي تحلو له، بشرط أن يكون مصدر التعليمات البرمجيّة متاحاً علناً للآخرين، فقد عمل آلاف المطوّرين على توسيع وتحسين أداء النواة الأصليّة منذ إطلاقها للعامّة، وهذا بدوره أدّى لابتكار العديد من توزيعات لينوكس المختلفة، ويشمل التوزيع نواة لينوكس والبرامج والخدمات المرتبطة التي تعمل معاً لتزويد مستخدميها بميّزات معيّنة، فهي تشمل العروض المجّانيّة، والمتخصّصة، وحتّى التوزيعات التجاريّة، مثل: Red Hat Enterprise Linux (RHEL)، كما توجَد توزيعات مصمَّمة خصّيصاً لتُشغَّل على أجهزة سطح المكتب أو الخوادم، بالإضافة إلى حزم تركِّز على احتياجات المجتمعات العلميّة والهندسيّة، ويعدّ Distrowatch.com مكاناً رائعاً لتستكشف تنوُّع توزيعات لينوكس المتاحة لبيئة حوسبتك الخاصّة.
حتّى وقت قريب إلى حدٍّ ما، انحصر استخدام لينوكس بالمستخدمين الأمهر من الناحية التقنيّة، وبأولئك المستعدّين لإنجاز أعمالهم بأيّة وسيلة، كما أدّى التطوّر المستمرّ لواجهات المستخدِم إلى تمكُّن أيّ شخص يتمتّع بأبسط المهارات في الحاسوب من العمل على لينوكس، بالتالي ستؤدّي هذه التطوّرات لزيادة شعبيّة هذا النظام المتطوّر باستمرار.
المزايا العامّة لاستخدام لينوكس
هناك العديد من الأسباب التي تدعو لاستخدام لينوكس كنظام تشغيل لأيّة بيئة حوسبة تقريباً، فبعيداً عن القيود السابقة لواجهة المستخدم غير العمليّة، بإمكاننا التركيز على المزايا التي سيقدّمها توزيع لينوكس في حال استخدَمَته مؤسّسة أو فرد، حيث تعدّ طبيعة مصدره المفتوحة والمجّانيّة من أهمّ أسباب استخدامه، فإنّ إلغاء تكلفة ترخيص نظام التشغيل في أماكن عمل الموظّفين سيوفّر الكثير من الموارد لقسم المشتريات، كما أنّ العديد من البرامج التجاريّة الأكثر استخداماً لها مثيل مفتوح المصدر متوفّر في توزيعات لينوكس أو على شكل حزم إضافيّة، ممّا يخفّض من تكلفة البرنامج، ناهيك عن قدرتك على تعديل مكوّنات النظام لتلائم متطلّباتك الخاصّة، وهذا ما تعتبره مؤسّسات كثيرة ميزة رائعة، ففي توزيع لينوكس الأساسيّ يمكن أن يُصمَّم نظام التشغيل خاصّتك بما يناسب معاييرك، أو أن تُغيَّر ميّزات فيه بحيث تُطبَّق فقط على تثبيتك، في حين أنّ هذا غير ممكن في أنظمة التشغيل التجاريّة التي تصمَّم لتخدم شريحة واسعة ومعمَّمة من العملاء.
في المقابل، نظام لينوكس قابل للتخصيص بشكل كامل، ويمكن تطبيقه لمعالجة الأهداف التجاريّة والعمليّة المحدّدة لشركة ما. كما يعدّ الأمان والاستقرار من الأمور المهمّة في نظام التشغيل، ولحسن الحظّ، يستوفي لينوكس الأمرين، فقد كانت هاتان النقطتان، ومنذ انطلاق النظام، من الأساسيّات، بالإضافة إلى أنّ خوادم لينوكس معروفة بأنّها منصّات موثوقة تعمل لسنين دون الحاجة إلى إعادة التشغيل، ويعزى ذلك إلى بنيتها التي تسمح بتهيئة أجزاء النظام أو إسقاطها دون التأثير على الجملة بأكملها. ومن جهة أخرى، يصبح الحفاظ على أمان النظام أمراً أكثر أهمّيّة يوماً بعد يوم بسبب استمرار تزايد التهديدات الإلكترونيّة، لكن مع ذلك يعدّ لينوكس أفضل من أيّ نظام تشغيل آخر من هذه الناحية، ويرجع ذلك إلى حدٍّ ما إلى طبيعته مفتوحة المصدر، وبرأي العديد من المبرمجين المدرّبين المتعمّقين في أجزاء النواة الداخليّة، قد وُثِّقَت وعولجَت نقاط ضعفها بشكل مناسب، غير أنّ الطريقة التي يُتعامَل بها مع الأذونات في لينوكس وعجز البرامج الضارّة عن فعل نفس درجة التخريب التي تفعلها في المنصّات الأخرى أمران يزيدان من أمان النظام.
تتوفّر توزيعات لينوكس لأيّة منصّة حوسبة تقريباً، حيث توجد توزيعات صغيرة للغاية غير متطلّبة وتعدّ مثاليّة في حال كانت موارد الحوسبة شحيحة، والأداء مطلوب في الوقت ذاته. يمكن أيضاً تشغيل توزيع لينكس كامل الميّزات على الحواسيب الضخمة، وهو نظام التشغيل المستعمل في أسرع ٥٠٠ حاسوب فائق في العالم، بالإضافة إلى أنّه منتشر في كلّ مكان هذه الأيّام. وقد شُكِّلت العديد من مجتمعات الإنترنت التي تُمكِّن المطوّرين من التعاون ومشاركة التعليمات البرمجيّة من خلالها، فاستغلال الموارد المتاحة في هذه المجتمعات يمكن أن يفيد في استخدام قوّة ومرونة لينوكس، وكمثال على ذلك مشروعا yocto projects وbuildroot اللذان يستخدمان لبناء أنظمة لينوكس مدمجة، فهما يؤمّنان الأدوات والتعليم والإرشاد لتسهيل إنشاء منتجات ذات نظام لينوكس مخصّصة لأيّ نوع من البنى المدمجة.
الأجهزة المدمجة ذات نظام لينوكس في الصناعة وإنترنت الأشياء
تنطبق معظم مزايا استخدام لينوكس في بيئات الحوسبة العامّة على الأجهزة المدمجة التي تشكّل العمود الفقريّ للأتمتة الصناعيّة وتطبيقات إنترنت الأشياء، وإليكَ فيما يلي سبب وجوب أن يكون استخدام الأجهزة المدمجة ذات نظام لينوكس من بين خياراتك في حال خطّطتَ لمشروع أتمتة صناعيّة أو إنترنت أشياء.
تعدّ عمليّتا جمع المعلومات والتحكّم بها وظيفتين أساسيّتين للأجهزة المدمجة المستخدمة في خطوط التجميع أو مصانع المعالجة، حيث يجب أن تبقى المعدّات المستخدَمة قيد العمل لأنّ فشل عنصر واحد قد يؤثّر على العمليّة بأكملها، كما يجب تأمينها من الهجمات التي تشنّها البرامج الضارّة التي يمكن أن تعطّل منشأة، ولكن من المرجَّح أن تظلّ الأجهزة التي تعمل بنظام لينوكس قيد العمل ويقلّ احتمال تعرّضها للفيروسات.
من ناحية أخرى، عادة ما يكون الشيء المجّانيّ جيّداً، وفي حال وجود البرامج اللازمة لمئات أو آلاف أجهزة إنترنت الأشياء، يمكن أن يكون السعر عاملاً حاسماً في الجدوى الاقتصاديّة للمشروع، لكنّ استخدام توزيع لينوكس مجّانيّ يلغي هذا الاعتبار، ويعطيك حرّيّة التصرّف بالمال بطريقة أخرى، ولن تكون تكاليف الترخيص بالأمر المهمّ بينما يتوسّع نظامك وينمو، وربّما الفائدتان اللتان يقدّمهما لينوكس لجميع الحواسيب المرتبطة بالأجهزة المدمجة هما قدرتها على الأداء العالي في توزيعات خفيفة الوزن وإلى أي مدى يمكن تخصيصها.
هذه الميّزات تجعله يبرز كخيار منطقيّ في كثير من الحالات. كما لن تمتلك الأجهزة المضمَّنة المستخدمة في تطبيقات إنترنت الأشياء والأتمتة الصناعيّة مساحة تخزينيّة كافية لتخزين عناصر نظام التشغيل الكثيرة غير المطلوبة لتشغيله، فالقدرة على تقليص توزيع لينوكس لتخزين ما هو ضروريّ فقط يقلّل من حجم ونفقات المعدّات المستخدِمة للنظام.
هناك مجال لابتكارات غير محدودة في أنظمة إنترنت الأشياء التي لا يمكنها أن تُعالج بشكل كامل بواسطة أنظمة التشغيل عامّة الغرض، حيث يمكّنك التخصيص الذي يوفره توزيع لينكس من استعمال أجهزتك المدمجة بفعاليّة وكفاءة بالطريقة التي تحتاجها، كما يتيح الوصول التامّ للتعليمات البرمجيّة مفتوحة المصدر لنظام التشغيل بأن يُضبط بدقّة لتطبيقك الخاصّ.
وأخيراً، فإنّ الاستفادة من الموارد الفكريّة المتاحة من خلال جهات مثل yocto project يمكن أن تساعدك على البدء، وتوفّر لك الدعم والإرشاد خلال عمليّة التنفيذ والتطوير، فأنت لن تضطرّ لإعادة اختراع العجلة، بل كلّ ما عليكَ هو إضفاء القليل من التعديلات لتبسيط العمليّات في ورشتك، فبكلّ تأكيد الأمر يستحقّ أن تولي وقتك للينوكس، وتبدي اهتماماً جدّيّاً للأجهزة المدمجة للتطبيقات الصناعيّة.
المصدر: هنا
ترجمة: رلا دنوره, مراجعة وتصميم: علي العلي, تدقيق لغوي: سلام أحمد, تحرير: فادي الشعار.