يمثّل الماتلاب منصّةَ برمجة كاملة تتضمّن لغةً، ومكتباتٍ برمجيّة، وبيئة تطوير متكاملة. أمّا الاسم، فهو اختصارٌ لمصطلح مختبر المصفوفات MATrix LABoratory، دلالةً على سهولة توظيف عمليّات المصفوفات الحسابيّة، والتي هي أساس لكثير من علوم الحوسبة.
تُعرف المكتبات في ماتلاب بمجموعة الأدوات toolboxes؛ إذ يضمّ الكثير منها لتناسب مختلف حاجات المستخدم، وسنلقي نظرةً في هذا المقال على هذه الأداة البرمجيّة العلميّة القيّمة، ونكشف عن مستخدميها، وسبب تفضيلهم لها.
موجز عن تاريخ الماتلاب:

نشأ أصل الماتلاب من بحث رياضيّ لجيمس ويليكنسون james willinson وزملائه منذ أواخر عام 1960 حتّى 1970، والذي أثمر خوارزميّات للغة البرمجة Algol 60 التي تتمحور حول حلّ مشاكل القيمة الذاتيّة، والمعادلات المصفوفيّة الخطّيّة.
قادت مبادرات بناء هذا العمل إلى تطوير برنامج رياضيّ عالي الجودة، مدعومةً من مؤسّسة العلوم الوطنيّة الأمريكيّة NFS، التي ظهرت عام 1971 باسم EISPACK اختصاراً لـ (حزمة المصفوفة الذاتيّة)، وتلاها عام 1975 إنشاء LINPACK (حزمة المعادلة الخطّيّة).
طوّر كليف مولر Cleve Molerالنسخة الأوّليّة لماتلاب أثناء تدرُّبه على البرمجة كآلة حاسبة تفاعليّة للمصفوفات؛ بهدف توفير وصول أبسط لأدواتLINPACK وEISPACK من كتابة البرامج التشغيليّة batch programming بوساطة الحواسيب الكبيرة المركزيّة، ثمّ تبنّى جاك ليتل Jack Little وستيف بانجريت Steve Bangret هذا المفهوم منتِجينَ نسخة PC-Matlab عامَ 1984 لتشغيلها على الحواسيب الشخصيّة الحديثة التي أصدرتها شركة IBM آنذاك، وتلاها نسخة Pro-Matlab المخصَّصة لأنظمة Unix عامَ 1985.
يستمرّ تطوير برنامج ماتلاب لتلبية احتياجات العلماء والمهندسين، ومن أهمّ مزايا نسخه الحديثة:
– يعدّ توفير حلول رقميّة للمعادلات التفاضليّة النظاميّة (ODEs) أمراً جوهريّاً ضمن الماتلاب المحدَّث وبرنامج المحاكاة المرفق معه.
بينما يوفّر التطبيق الأصليّ نوع بيانات واحد فقط، ومُثِّلت كلّ الأرقام سابقاً حسب معيار IEEE 754 بصيغة الفاصلة العشريّة عالية الدقّة ضمن حجم ذاكرة بلغ 64 بت.
أمّا الآن، فيتوفّر ضمنه مختلف أنواع البيانات لمنح مستخدميه مرونة العمل، مشكِّلاً بيئة فعّالة في الحوسبة الرياضيّة.
– أُضيفَت الأرقام العشريّة منخفضة الدقّة، والأعداد الصحيحة بداية عام 2000؛ ممّا خفض حجم الذاكرة المطلوب لتخزين المصفوفات الكبيرة إلى النصف، أي 32 بت.
– أُضيفت المصفوفات المتناثرة sparse matrices عام 1992 لاستهلاك أفضل للذاكرة؛ إذ تُخزّن القيم غير الصفريّة مع مؤشّرات الصفوف والأعمدة فقط.
– أُضيفت المصفوفات الهيكليّة والخلويّة عام 1996 لتحسين أداء أدوات البرنامج.
– ضُمّنت إمكانيّات البرمجة كائنيّة التوجّه Object-oriented في ماتلاب عام 2008 لتبسيط مهمّات برمجة بنى المعطيات المتخصّصة، أو الدوالّ التي تتفاعل مع نوع محدَّد من البيانات، وبهذا شكّلت OOP أساس نظام الرسوميّات في الماتلاب.
– طُوِّر الماتلاب عام 200 ليصبح برنامجاً حاسوبيّاً متكاملاً بدلاً من كونه مجرّد تطبيق بسيط طرفيّ terminal application.
– وأُضيف له عام 2016 محرّرٌ مباشر live editor؛ ليتمكّن المستخدمون من تصدير دخل وخرج برامج الماتلاب والرسوميّات كملفّ تفاعليّ interactive document.
– تجاوز عدد مجموعات الأدوات toolboxes -المعروفة باسم المكتبات في لغات البرمجة الأخرى- الستّين مجموعة؛ إذ تعالج العديد من نواحي الحوسبة الرياضيّة، وبعضها مخصّص لتطبيقات معيّنة، مثل الحوسبة المتوازية، والماليّة، وإنشاء البرامج، إضافةً إلى تطويرها المستمرّ.
عموماً، أدّى هذا الابتكار والتنقيح المستمرّ إلى تحوُّل ماتلاب إلى منصّة برمجيّة رياضيّة متكاملة المزايا، تُستخدم على نطاق واسع في الجامعات، والصناعة، والمجال العلميّ.
كيف يُستخدم ماتلاب؟

سنتابع الآن مع بعض استخدامات الماتلاب؛ إذ يوظَّف في العديد من التطبيقات الأكاديميّة والصناعيّة:
- تَستخدم حوالي 6500 جامعة عالميّاً الماتلاب والمحاكاة كوسائل تعليميّة، حيث توفّر الشركة المصنِّعة تراخيص استخدام للبرنامج، ومنتجات مخصَّصة للطلّاب، إضافةً إلى موادّ تعليميّة لتبسيط استخدامهم له، وبذلك يتعلّم الطلّاب المهارات الحاسوبيّة التي تؤهّلهم لوظائف في مختلف مجالات الحوسبة، مثل: إنترنت الأشياء IOT، والذكاء الاصطناعيّ AI.
- يتخرّج سنويّاً آلاف الطلّاب المتمكِّنين من تطبيقاته نتيجةَ انتشاره الواسع كوسيلة تعليميّة؛ ممّا يضمن لهم مكاناً في الوظائف التي تتطلّب استخداماً احترافيّاً له.
يتميّز الماتلاب بتنوّع تطبيقاته العلميّة والصناعيّة، ونذكر لكم بعض استخدامات العلماء والمهندسين له:
– تعدّ أنظمة المحاكاة التفاعليّة Real-time simulation، والنماذج الأوّليّة السريعة rapid prototyping، وسائلَ اختبار وتقييم سريعة، وغير مكلفة، يستخدمها مهندسو التحكّم ومعالجة الإشارة، إذ تمكِّنهم من اختبار تصاميم الأنظمة الجديدة تفاعليّاً، وباستخدام معدّات حقيقيّة، وبالتالي اختصار وقت التعديلات إلى دقائق بدلاً من عدّة أيّام.
– يوفّر ماتلاب النمذجة الرمزيّة، والرقميّة، والمحاكاة للأنظمة، مقدِّماً ميّزات تحليليّة متطوِّرة لمستخدميه؛ ممّا يجعله منصّة فعّالة لتطوير الأنظمة المدمجة embedded systems. كما يتيح لك النمذجة المادّيّة خلال عمليّة التطوير بوساطة برنامج Simscape المدمَج ضمنه.
– يفيد دمج ميّزات ماتلاب وبرنامج المحاكاة المضمَّن فيه في توظيف التعلّم العميق، والصيانة التنبّؤيّة في نماذجك.
– يمكن تسريع عمليّات المحاكاة كثيفة البيانات، ومهامّ المعالجة بوساطة الحوسبة المتوازية باستخدام ماتلاب؛ ممّا يحقِّق أقصى استفادة من المعالجات متعدّدة النوى، ووحدات معالجة الرسوميّات GPU، والموارد السحابيّة، دون الحاجة إلى تغيير سير العمل.
ما سبق هو عيّنة من استخدامات ماتلاب لحلّ المسائل التي تتطلّب حلّ معادلات رياضيّة معقّدة.
أمثلة فعليّة لاستخدام ماتلاب:

إليك بعض الأمثلة الملموسة للماتلاب؛ لتأكيد فائدته في مختلف الصناعات والقطاعات:
- نموذج أوروبيّ في إمداد الطاقة:
تعتمد شركات المرافق والطاقة الكهربائيّة على النمذجة في عملها؛ لضمان توفير طاقة مستقرّة لعملائها، فقد استُخدم ماتلاب في بناء نموذج أوروبيّ يحاكي حاجة الدول للطاقة، وإمكانيّة تأمينها؛ لتقليل التكاليف، والحفاظ على سعة كهربائيّة ثابتة نسبيّاً ضمن البلاد الأوروبيّة. ويسمح ماتلاب بتحميل البرنامج (الكود) مباشرةً منه إلى الأنظمة المدمجة المطلوبة؛ ممّا يضمن ربحاً إنتاجياً كبيراً.
- طائرة Airbus A380:
استَخدمت شركة Airbus المحاكاة لتطوير نظام إدارة الوقود في طائرة Airbus A380؛ إذ يحدّد النظام المعقّد أوضاع تشغيل الطائرة على الأرض، وأثناء الطيران، ويعالج آلاف الحالات والتنقّلات لها. وبذلك، وفّرت الشركة شهوراً من عمليّة التطوير، وتعاملت مع التعقيدات الإضافيّة دون زيادة عدد موظَّفيها.
- صناعة السيّارات:
وهي نطاق آخر يسرِّع فيه ماتلاب تطويرَ التقنيّات الحديثة، مثل القيادة الآليّة automated driving، وأنظمة مساعدة القيادة المتقدّمة ADAS، فالعوامل، مثل التحكّم، والتخطيط، والإدراك، يمكن محاكاتها لأغراض، مثل الاختبار، والضبط، والتناسق، دون الحاجة إلى نماذج سيّارات أوّليّة باهظة الثمن.
فلنُنهِ مقالنا بأسبابٍ تدفعك إلى استخدام ماتلاب في النمذجة الرياضيّة والبرمجة، وإضافته إلى حاسوبك بعد ما رأيناه من فوائد وتطبيقات مذهلة لهذا البرنامج في مختلف مجالات العلوم والصناعة:
لماذا عليك استخدام الماتلاب؟
- تسهّل قاعدة المستخدمين الكبيرة، ووثائق تشغيل ماتلاب الشاملة تعلُّمَه واستخدامه، فاستخدامه عالميّاً في التعليم، يخرِّج طلّاباً متمكِّنين من توظيفه في حلّ المشاكل على أرض الواقع. لهذا، تُنصح الشركات بتوظيف المهندسين اليافعين أصحاب تلك المهارات للاستفادة من ميّزات الماتلاب في مجال عملهم.
- يبسِّط تطوير البرامج من خلال الأدوات المتاحة للمستخدمين، والتي تُغني عن كتابة التعليمات التقليديّة والمتكرّرة من البداية، فتسمح للمطوِّر بتجربة الأفكار بسرعة وسهولة.
- يعادلُ سطران من تعليمات ماتلاب حوالي عشرينَ سطراً من التعليمات المكتوبة بلغة C++؛ ممّا يسهّل فهم برامج المبرمجين الآخرين، ومشاركة النصوص البرمجيّة بين أعضاء الفريق الواحد.
إنّ الماتلاب منصّة برمجة واسعة الانتشار، تستمرّ بزيادة مزاياها وتطبيقاتها في المجال الصناعيّ، والأكاديميّ، والعلميّ، فالآن هو الوقت الصحيح لاكتشاف حلول ماتلاب لمسائل عملك الرياضيّة المعقّدة.
المصدر: هنا
ترجمة: سها أديب، مراجعة: آلاء محمد آغا، تدقيق لغوي: سلام أحمد، تصميم: علي العلي، تحرير: نور شريفة.