تُعد المتحكماتُ المَنطقية القابلة للبرمجة (programmable logic controllers)- اختصارًا لـ -PLC  إحدى الركائز الأساسية في الأتمتة الصِّناعية، لكنها كانت حتى الآونة الأخيرة محصورةً -تقريبًا- في مجال العاملين في قطاع الخدمات والصِّناعات التحويلية فقط. إلا أن ذلك قد تغيَّر عندما زاد الاهتمامُ بحركة المخترعين التي تعدُّ فرعًا من فروع اتجاهِ “افعلها بنفسك”DIY ، فَلَمْ تتوفر البدائلُ الرخيصة من plc التقليدية فحسْبُ، كالأردوينو  arduino والراسبيري باي raspberry pi بل أصبح هنالك تزايدٌ في المخترعين المبتدئين، وزيادة في الطلب على الخبراء في مجال الأتمتة بالروبوتات، إذ أصبحت PLC ومثلياتُها من المنتجات الاستهلاكية هي الأداةَ الأساسيةَ لمساعدة المبتكرين من المراتبِ  كافةً في تجسيدِ أفكارهم وتحقيق اختراعاتهم.

ما هو PLC؟

PLC (مصدر الصورة: موقع plcnext-community)

يمكننا تعريفُ PLC مبدئيًا على أنها حاسوب مسهَّلٌ نوعاً ما، ليس له شاشةٌ، أو لوحةُ مفاتيح، أو أيُّ مكونات أخرى كتلك الموجودة في الحاسوب الشخصي العادي، وعوضاً عن ذلك فهو يحوي فقط الأجزاءَ الضرورية لأداء مهمَّة معينة بما يتوافق وأهدافَ الأتمتةِ الصناعية؛ فتستطيعُ PLC أتمتةَ كل شيء بدءاً من عملية واحدة، حتِّى خطِّ إنتاج كامل.

تتوضع PLC آنَ تُستخدمُ في المجالات الصناعية داخلَ لوحة تحكُّم، موصولةً بالإيثرنت  Ethernet، أو USB  إلى الحاسوب المحمول، أو الحاسوب الشخصي  PC، الذي سيثبت عليه تطبيقٌ لبرمجة PLC عن طريقه. الجدير بالذكر أنَّ استخداماتَها ليست محصورة في المصانع فقط، إذ يمكننا أن نجدها بأشكالٍ مختلفِة في عددٍ من الصناعات، والمنتجات الشائعة، بما في ذلك مِن الغسَّالات، وإشاراتِ المرور، والمصاعد، وأنظمة التدفئة، والتهوية، والتكييف HVAC (heating, ventilating and air conditioning) حيث تعمل PLC وَفق “المنطق السلمي” الذي يسمح لها بأن تُبرمج من حيثُ إذا وقع حدثٌ معين، فإن ذلك سيولد استجابة لها. وكمثال على كيفية عمل PLC  في الآلات التي نستخدمها يوميّاً، دورها في التحكم بدرجةِ حرارةِ نظام التدفئة والتبريد الرَّقْمي المنزلي، فحينَما نضبطها على 70 درجة مئوية ستنبهُ PLC  النظامَ لكي يوقفَ التشغيل في حال زادتِ الحرارة عن الحد الذي حددناه، وفي حال انخفضت درجة الحرارة ستأمره بوجوب التَّشغيل.

إنَّ من الصعب تحديدَ لُغة البرمجة المستخدمة في التحكُّم بـ PLC، وذلك يعود على الاختلاف بين الشركات المصنِّعة، لأنَّ لغة البرمجة -حالُها حالُ غيرِها من اللُّغات- تستطيع أن تعبِّر فيها عن الشيء ذاتِه بطرائقَ كثيرة، وهذا ما يجعل استخدام PLC صعباً بالنسبة إلى المستخدمين الجدد. فلو أطلقنا العِنَانَ لمخيلتنا سنرى بوضوح كم مِن التطبيقات تستطيع PLC جعلها ممكنةً، لكن التكلفة الباهظة لها -أحدُ أكبر العوائق التي يواجهها معظمُ المبتكرين والمخترعين المستقلين، فيمكن أن يصل سعرُها إلى عدَّة مئات وحتى آلاف الدولارات، علاوة على ذلك فاستخدامها يتطلب مهارةً تقنية عالية. هذا ما جعل الأنظارَ تتجه إلى منتجات المستهلك كالأردوينو والراسبيري باي؛ فسعرُ لوح الراسبيري باي لا يتجاوز أربعين دولاراً، ويليه الأردوينو الذي يقارب سعرُه عشرين دولاراً فقط. ذلك أعطى المستثمرين الحرِّيةَ المالية التي يحتاجون إليها لكي يجربوا.

لكن، هل يستطيع أحدُهما بالفعل أن يحل محلَّ PLC؟

هل بإمكان الأردوينو أو الراسبيري باي أن تغني عن PLC؟

لوحة الاردوينو (مصدر الصورة: موقع plcnext-community)
لوحة الراسبيري باي (مصدر الصورة: موقع plcnext-community)

إن أوَّل ما يتبادر إلى أذهاننا عندَ ذكر إلكترونيات المستخدَمة في المشاريع، وبدائل PLC هما أردوينو، وراسبيري باي معاً، لكنهما في الحقيقة مختلِفان جداً عن بعضهما. فالراسبيري باي  حاسوبٌ متكامل يعمل بنظام  linux، في حين أن الأردوينو متحكِّمٌ صغري ليس له نظامُ تشغيل، فمن ثَمَّ يجب أن يتضمن في نظام آخر لكي يعمل، وذلك ما يجعله الأقربَ إلى PLC.

 فبالرغم من كونهما صُمما أدواتٍ تعليميةً، فنظامُ راسبيري باي اليسيرُ والمتكامل يعطي الطلابَ شيئاً يسهل اكتشافُه، والتعامل معه، والتعلم منه أيضاً، في المقابل يجعل أردوينو من تصميم النماذج الأوَّلية أمراً هيناً.

وكأي شيء له حسناتٌ وسيئات فالأمر سواءٌ مع هاتين القطعتين، فتعدّ راسبيري باي -مثلاً- نظاماً متكاملاً مع سرعات معالجة وإمكاناتٍ هائلة، مع أنَّها صعبة الاستخدام وسهْلةُ التعطُّل، إذ مجرد إيقاف تشغيلها بطريقة خاطئة يمكن أن يخرِّبها، عدا عن أنها تتطلب تثبيتَ برامج، وخطوات أخرى، كل ذلك من أجل أداء مُهمة هيِّنة فحسْب، كجعل ضوءٍ يومض. من جهة أخرى يمكن برمجة لوح الأردوينو بعدة أسطر فقط. هذه السهولة في البرمجة وما يقابلها من أمور في بنية PLC تجعل منه البديلَ الأنسب والأرخص في بعض التطبيقات. فبرغم  مِن أن راسبيري باي يمكنه القيام بنفس الوظيفة، فإنَّه يتطلب مهارة وبراعةً في التعامل معه، لكنه لو وقعَ في الأيدي المناسبة فيمكنه فعلُ الكثير مع سرعة معالجته ومساحة تخزينه الكبيرين(512 MB  مقابل 0.002  MB) يتطلع المبتكرون إلى تجارِب يتمكنون بها من استخدام راسبيري باي وأردوينو معاً من حيثُ يُستخدم الأخيرُ للتحكُّم في أردوينو.

بالنظر إلى التكلفة الحقيقية والكفاية والتطبيقات:

يعتمد اختيارُك لـ PLC  أو أردوينو أو راسبيري باي اعتمادًا أساسيًّا على التطبيق، فمن جهة يكون أردوينو الخيارَ الأمثلَ للمبتدئين، بيدَ أنَّه غيرُ مفضلٍ استخدامُه بدلًا من PLC في الاحتياجات الصِّناعية، فمن أجل أن يعمل كـ PLC سيتطلب ذلك مزيدًا من العناصر التي ستجعل تكلفته تقارب ما ستكون لو أننا استخدمنا  PLC، كذلك كتابةُ الرموز المطلوبة من أجل التطبيقات الصِّناعية والوقت الذي يستغرقه ذلك يجعل منه خياراً غيرَ موفقٍ. 

صُمِّمت  PLC  لغرض التطبيقات الصِّناعية، فهي تملك المواصفاتِ المطلوبة والخصائصَ البيئية لذلك،على حينِ صُمِّم الأردوينو والراسبيري باي للتعلُّم ومشاريع الهواة التي لا تتطلب الخصائص ذاتَها. وبموازنة الأخيرين يعد الأردوينو أحاديَّ الوظيفة ومثاليًّا من أجل المهام التَّكرارية، كإنشاء ضوء وامض، أو مراقبة درجة الحرارة الحالية، في حينِ أنَّ الراسبيري باي -على الرغم من هشاشته- يستطيع تحمُّل مهامَّ أكثرَ صعوبةً كتنفيذ عمليات حسابية معقدة والتحكم في وظائفَ روبوت متقدِّم.

الخلاصة:

إن PLC هي حواسيبُ سهلة، وجزءٌ لا غنى عنه في عملية الأتمتة في كثيرٍ من الصِّناعات.على حين أنَّ الأجهزة الأخرى ذاتَ التكلفة المنخفضة كالأردوينو والراسبيري باي لديها وفرة من الإمكانات، لكنها من غيرِ الممكن أن تحلَّ مكان PLC في التطبيقات والمشاريع الصناعية، فالعناصرُ الإضافية وساعات العمل اللازمة لإعداد أردوينو وتشغيله كـ plc- تقصي ميزةَ السعر، فالأردوينو والراسبيري باي وأشباهها أدواتٌ رائعة لحركة المخترعين، لكن في الحالات الصُّعْبى والعُقْدى تكونُ لـ PLC الأفضلية.


المصدر: هنا

ترجمة:رلا دنورة مراجعة: علي العلى تدقيق لغوي: محمد بابكر تصميم: علي العلى تحرير: حسين اسعد