تدرك الشركات الحديثة قيمة البيانات فهي تساعد المصانع والمنشآت بتشغيل عملياتها بكفاءة أعلى لزيادة القدرة الإنتاجية والجودة، إضافةً إلى تنظيم أعمال الصيانة بفعالية لتقليل حدوث الأعطال وتوقف الإنتاج والاستفادة القصوى من اصول هذه الشركات ، وبالتالي تقليل تكاليف الشركة وزيادة هوامش ربحها. وفي وقتنا الحالي، تجمع شركات عديدة المزيد من البيانات من عمليات التصنيع الخاصة بها أكثر من أي وقت مضى، ولكنها تواجه صعوبة في تحويل هذه البيانات إلى معلومات قيمة تساعد في عمليات اتخاذ القرار، لذا يجب تحليل ومعالجة البيانات الخام لاستخلاص الأفكار المفيدة للشركة بغية تحسين عملياتها فعلياً. وحتى وقت قريب، كان تحليل البيانات المتقدم مهارة متخصصة لم تكن متاحة للعديد من شركات التصنيع.
سنوضّح في هذا المقال دور التطورات الحديثة لتعلم الآلة في تسهيل عملية توظيف هذا المجال في معالجة بيانات التصنيع لاستخلاص المعلومات من البيانات واستخدامها لاتخاذ القرارات في الصيانة ومراقبة الجودة. كما سنشرح كيفية استخدام الحلول البرمجية لتوظيف قدرات جمع البيانات وتحليلها في المصانع، خاصةً الحلول التي تعتمد على تعلم الآلة. وأيضاً سنتطرق للحلول التي تنطوي على العمليات التقليدية لجمع البيانات ومراقبتها. لنتكلّم بدايةً عن المشاكل التي تواجهها المصانع والمنشآت الحديثة.
المشكلة
تكون معظم الآلات التي تعمل ضمن المصنع مصممّة للإبلاغ عن الأعطال وليس للتنبؤ بها. وتُستخدم أنظمة التحكم لجمع ومعالجة البيانات من الآلات في الوقت الحقيقي، فقد صُممت أنظمة HMIs و SCADA لعرض ما يحدث في عملية التصنيع حالياً أو فيما سبق، لكنها لا تستطيع توقّع ما سيحدث في المستقبل، وقد يؤدي أي عطل يحدث إلى توقف الإنتاج مسبّباً خسائر باهظة، لذا عملت بعض الشركات على حل هذه المشكلة من خلال تنفيذ نظام صيانة وقائية، أي تبديل أجزاء الآلة قبل تعطلها لتجنب توقف الإنتاج.
تساعد هذه الاستراتيجية في تجنب توقف الإنتاج، إلا أنها تزيد من أعباء التكلفة وهي أقرب للإسراف. ويعد استبدال الأجزاء قيد العمل والتي قد تستمر في العمل لفترة طويلة بأجزاء جديدة أمراً في غاية الصعوبة، وهنا يتجلّى دور تعلم الآلة، الذي يُتيح للمصنّعين الانتقال من نظام الصيانة الوقائية إلى نظام الصيانة التنبؤية.
تُستخدم في نظام الصيانة التنبؤية خوارزمية تعتمد على البيانات السابقة المتوفرة لتحديد ما إذا كان أحد أجزاء الآلة قد يتعطل قريباً واستبداله في أقرب وقت ممكن، لذا تساعد هذه الاستراتيجية في تجنب توقف الإنتاج وتقليل التكاليف باستبدال الأجزاء الواجب تبديلها عند الحاجة لذلك.

تكمن المشكلة أنّ معظم الآلات ومعدات العمليات ليست مصمّمة للتعامل مع خوارزميات تعلم الآلة، مع أنها تولّد جميع البيانات المطلوبة لعمل الخوارزمية ولكنها لا تمتلك القدرات المعالجة اللازمة لتنفيذها، إضافةً إلى عدم امتلاك الفريق الهندسي لهذه الشركات المعرفة اللازمة لفهم آلية عمل خوارزمية تعلم آلي معقدة تمثل العملية الإنتاجية بدقة.
تحليل البيانات وتفسيرها
بدأت العديد من الشركات في الوقت الحالي تنفيذ استراتيجية التحول الرقمي مستخدمةً التقنيات الحديثة مثل Single Pair Ethernet لجمع البيانات من المصنع، وبوابات IoT gateways لنقل البيانات، وقواعد بيانات محلية أو سحابية لتخزين البيانات. ومع تزايد حجم البيانات المتاحة يصبح التحدي تفسيرَ هذه البيانات، فكيف يمكن لشركات التصنيع تحليل وتفسير بياناتها لتحسين عمليات الإنتاج وأنظمة الصيانة لديها؟

الحل
برز التعلم الآلي كأكثر الطرق كفاءةً وأقلّها تكلفة في توليد النتائج على الرغم من وجود طرق أخرى لتحليل مجموعات البيانات الضخمة، وأحدث تحولاً جذرياً في الصناعات الأخرى في طريقة تحليل البيانات واتخاذ القرارات. وتبيَّنت للشركات قدرة التعلم الآلي على خلق قيمة حقيقية من البيانات المجمّعة حالياً، فلقد كان مجال التصنيع بطيئاً في تبني تقنية التعلم الآلي لأنها كانت صعبة التنفيذ، فقد كان استخدام التعلم الآلي لمعالجة البيانات يتطلب توظيف فريق من علماء البيانات لبناء نموذج مخصص والانتظار لعدة أشهر أثناء تدريب النموذج بغية الحصول على بعض النتائج.
لا تكمن المشكلة في هذا النهج في صعوبة العثور على علماء البيانات، ولكن كان من الصعب على شركات التصنيع توظيف أشخاص يجمعون بين مهارات علم البيانات والمعرفة في مجال التصنيع، فما كان مطلوباً لتطبيق تعلم الآلة ضمن المصنع هو برنامج سهل الاستخدام يتيح للمهندسين بناء وتدريب وتطبيق معارف تعلم الآلة دون مهارات علم البيانات.
برمجيات تعلم الآلة
قدمت شركة Weidmüller برنامجاً متطوراً في مجال تعلم الآلة المؤتمت (Industrial AutoML) وهو برنامج يعمل وفق نموذج البرمجيات كخدمة (SaaS product وهو نموذج سحابي يوفر الوصول للبرمجيات الموجودة ضمن المنصات السحابية عن بعد عبر متصفح ويب أو تطبيق موبايل) يتيح لأي شخص تدريب خوارزميات تعلم الآلة بسهولة على بياناتهم وتطبيق تلك الخوارزميات إما عن بعد في السحابة أو محلياً ضمن المصنع للكشف عن الأخطاء والتنبؤ بها، وذلك عبر الخطوات التالية:
- رفع البيانات إلى منصة Industrial AutoML التي تمثل البيانات في رسم بياني تابع للزمن.
- توظيف الخبرة المهنية في مجال العمل لتحديد نقاط البيانات الطبيعية والشاذة في الرسم البياني.
- تنشئ البرمجية مجموعة من نماذج البيانات بوساطة تعلم الآلة (ويمكن الاعتماد على الخبرة العملية لاختيار أفضل نموذج بناءً على الأداء وإمكانية التنفيذ ثم تطبيق النموذج المطلوب).

يمكن أن يساعد هذا النموذج المدرَّب في تحسين عمليات الإنتاج والصيانة لتجنب توقف العمل وتقليل التكاليف، إضافةً إلى إمكانية مصنّعي الآلات استخدام تعلم الآلة لتطوير خدمات معتمدة على البيانات تساعد مشغلي الآلات (المستفيدين من الخدمات)، مما يؤدي إلى تقليل الجهود المبذولة في الصيانة والدعم وتحسين جودة وكفاءة عملية الإنتاج، الأمر الذي يجعل هذا النهج علامة فارقة بين المصنّعين للتنافس غير التقليدي.
فرص جديدة
يميل الناس عند سماعهم عن استخدام تعلم الآلة في المصانع إلى الاعتقاد أن هذه التقنية قيد التطوير وستكون متاحة في المستقبل، ولكنّها متاحة الآن وجاهزة للاستخدام، إذ تستخدم العديد من الشركات المبتكِرة تعلم الآلة ضمن مصانعها لمنع الأعطال التي توقف الإنتاج وتحسين كفاءة العمليات وتقليل الهدر.
ماذا يلزم لتطبيق تعلم الآلة؟
تحتاج شركات التصنيع اليوم إلى وجود بنية تقنية للتعامل مع البيانات قبل الاستفادة من تقنية تعلم الآلة، وبالنسبة إلى معظم الشركات المصنعة هناك ثلاث خطوات لتحقيق هذا:
- جمع البيانات: ترقية البنية التحتية الحالية لجمع ومعالجة وتخزين وتمثيل البيانات التي تنشأ ضمن المصنع، إذ توجد أدوات مثل PROCON-WEB من Weidmüller المعتمدة على تقنيات الويب الحديثة والتي يمكن استخدامها لجمع البيانات من أي نوع من وحدات التحكم القابلة للبرمجة PLC أو المتحكمات الأخرى، وتخزينها في قاعدة بيانات فعالة تدعى بالمؤرشف “historian”.
- فورَ جمع البيانات، يمكن للشركات استخدام أدوات برمجية لمراقبة بياناتها في الوقت الحقيقي، إذ تحتاج الشركات إلى مراقبة كمٍّ كبير من البيانات، إضافةً إلى بيانات الإنتاج لتحسين العمليات وكفاءاتها. وتسمح بعض أنظمة التمثيل البياني بدمج الحلول البرمجية المتكاملة لتحسين إدارة الطاقة والموارد أيضاً.
- تقدم Weidmüller حزمة برامج صناعية متكاملة يمكن دمجها بسهولة في بيئات العملاء، ويمكن تثبيت ResMa® إضافةً إلى PROCON-WEB لتسجيل ومراقبة أنماط استهلاك الطاقة للعثور على نقاط الهدر ضمن المصنع.
- يمكن استخدام كل تلك البيانات لتدريب وتنفيذ خوارزميات تعلم الآلة التي تكشف لنا معلومات وأفكار قد يصعب علينا ملاحظتها، وتتوقع المستقبل بدقة استناداً إلى البيانات السابقة. ويمكن تطبيق هذه الخطوات الثلاث بأدنى مجهود وبسلاسة من خلال استخدام البرمجيات PROCON-WEB و ResMa وIndustrial AutoML مجتمعة.

الملخص
يمكّن التحول الرقمي شركات التصنيع من جمع كميات ضخمة من البيانات من المصنع، ويكمن التحدي في تفسير هذه البيانات وتحويلها إلى معلومات مفيدة تساعد في اتخاذ القرارات. وقد برزت تقنية تعلم الآلة كوسيلة فعالة وغير مكلفة لتحقيق هذا الهدف، إذ كان من الصعب في الماضي تنفيذ هذه التقنية ضمن المصانع بسبب صعوبة توظيف الفرق أو علماء البيانات المنوطين بإنشاء وتدريب وتحسين خوارزميات تعلم الآلة.
وقد أزالت الأدوات البرمجية الحديثة مثل Industrial AutoML من Weidmüller ذلك العائق وسهّلت على شركات التصنيع الاستفادة من تقنية تعلم الآلة ضمن المصانع، إذ تتيح هذه الأدوات لأي خبير في الآلات والعمليات إنشاءَ وتدريب وتنفيذ خوارزميات تعلم الآلة بسهولة محلياً ضمن المصنع أو عن بعد في السحابة لمراقبة عمليات الإنتاج والتنبؤ بحدوث المشاكل والأعطال.
ومنه يمكن للشركات المصنّعة تحسين عمليات الإنتاج والصيانة من خلال الاستفادة من هذه الأدوات الحديثة وخوارزميات تعلم الآلة، مما يؤدي إلى تقليل التكاليف وزيادة هوامش الربح، علاوةً على ذلك، يعتبر تقديم خدمة قائمة على البيانات لمصنّعي الآلات عاملاً مميزاً رئيسياً لهم في سوق تنافسيّ جداً.
المصدر: انقر هنا.
ترجمة: | سعاد جركس |
مراجعة: | ايليا سليمان |
تدقيق لغوي: | غزل لؤي روميه |
تحرير: | نور شريفة |