سنخوض رحلة في الذاكرة لنتعرّف على أنظمة الاتصالات التي استُخدمت على مرّ السنين ولنتعلّم العوامل التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم.

تتركز أهداف تقنيات الاتصالات الرقمية حول ثلاث، زيادة سرعة نقل البيانات ولمسافات أطول، واستخلاص معلومات أكثر. وحيث أنه لا يوجد مكان أهم من داخل المنشأة الصناعية، فإن كل نظام إنتاج وسلامة يعتمد على إمكانية الوصول إلى بيانات فعلية.

سنتعرف في هذا المقال على تطور بروتوكولات الاتصال الرقمية على مر العقود، وسنحاول أن نقدم تصوراً عن شكل الاتصالات في الأجيال القادمة!

أنظمة التحكم وحاجتها لأنظمة الاتصالات

اعتمدت أنظمة التحكم البدائية على بساطة مفاتيح التشغيل التي تبدل بين حالتي الدارة المفتوحة والمغلقة،فتسمح بتشغيل الأجهزة مثل الريليات والمحركات بسهولة. ومع ذلك، وبسبب التعقيد والتطور الذي طرأ على أنظمة الإنتاج والمعالجة، ظهرت الحاجة إلى إشارات أكثر تقدماً بين الأجهزة.

متطلبات الاتصالات الرقمية

يتكون نظام الاتصالات من الأسلاك والموصلات بين الأجهزة (مثل كابل الإيثرنت القياسي المزود بمقبس بلاستيكي شفاف ذو 8 أطراف). وكما يتضمن بروتوكول الاتصال الذي يحدد القواعد كمستويات الجهد والسرعات وعنونة الأجهزة والعقد على طول الخط.

متطلبات الاتصال الرقمي من كابلات وموصلات (مصدر الصورة: موقع  control)
 متطلبات الاتصال الرقمي من كابلات وموصلات (مصدر الصورة: موقع control)

في النهاية سنرسل حزمة بيانات محددة، وكلما زاد تعقيد نظام الاتصال، زادت العنونة والمعلومات الأخرى التي يجب إرسالها، وبالتالي يؤدي إلى حزم أطول.

لذلك إذا كنت تكتب خطاباً يحتوي على الكثير من المعلومات، فستكون الرسالة بطبيعة الحال أطول بكثير، وبالتالي ستستغرق كلّاً من الكتابة والقراءة وقتاً أطول. وينطبق الشيء نفسه على الاتصالات الرقمية.

يوجد نوعان مهمان من الاتصالات الرقمية، حيث على المستوى الأدنى، يجب أن تكون حساسات الدخل وملفات الخرج قادرة على إرسال البيانات إلى المعالج المركزي. وهذا ما يسمى اتصالات على “مستوى الجهاز”. وعلى المستوى الأعلى، يجب أن يكون هناك معالجين قادرين على مشاركة المعلومات، وهذه اتصالات على “مستوى التحكم”. في عالم مثالي يمكن تحقيق كلا المستويين بطريقة اتصال واحدة.

التسلسل الزمني للأنظمة الرقمية

ترتبط كل من الاتصالات الرقمية والأنظمة الرقمية ببعضها البعض؛ بدءاً من أربعينيات القرن الماضي، دعونا نلقي نظرة على العوامل الرئيسية التي قادت الاتصالات الصناعية إلى ما هي عليه اليوم.

اختراع أول ترانزستور في مختبرات بيل Bell Labs عام (1947)

أحدث اختراع مختبرات بيل لأول ترانزستور في عام 1947 تغييراً هائلاً في القدرة على تبديل الإشارات بشكل أسرع وبجهد أقل بكثير.

نسخة طبق الأصل من الترانزستور الذي اخترعته مختبرات بيل (مصدر الصورة: موقع  control)
نسخة طبق الأصل من الترانزستور الذي اخترعته مختبرات بيل (مصدر الصورة: موقع control)

في الوقت الحالي، قد يسمح التغيير السريع بين الإشارات (مثل شفرة مورس) لجهازين بإرسال سلسلة معقدة من الإشارات أسرع مقارنة مع إرسال إشارة واحدة فيما مضى.

استغرق الأمر بضع سنوات حتى أواخر الخمسينيات من القرن الماضي قبل أن يكون من الضروري أن تتواصل أجهزة متعددة فيما بينها وترسل إشارات عبر مسافات بعيدة.

أثارت عمليات التشغيل الفردية للأسلاك المجدولة القياسية بعض المشاكل، وتحديداً في السعة، لذلك كان هناك تقدم في كل من البرمجيات والكابلات والأسلاك.

المعيار RS232

يعد RS232 واحداً من أقدم معايير الاتصالات المسجلة، والذي لا يزال مستخدماً حتى يومنا هذا. تم تسجيل هذا المعيار في عام 1960. في ذلك الوقت، كان يحقق بشكل عام سرعة نقل بمعدل 20 كيلو بت في الثانية (kbps) لمسافة حوالي 50 قدماً. كمثال، إذا كنت تريد نقل ملف بحجم 2 غيغابايت عبر هذا المعيار، فقد يستغرق الأمر حوالي 222 ساعة.

يدعى هذا النوع من طرق الاتصال “نقطة إلى نقطة” حيث يتصل جهازان فقط، واحد بكل طرف من طرفي السلك. من المحتمل جداً أن تجد هذه الطريقة مستخدمة لبرمجة أجهزة الـ PLC، وعلى الرغم من أن معظم الطرز الأحدث تستخدم الاتصال عن طريق الـ USB.

تزامن ظهور RS232 مع تطورات مهمة للحاسوب أيضاً والتي شملت:

Modicon 048 ، أول PLC عام (1968)

Intel 4004 ، أول معالج دقيق (1971)

إصدار أبل أول حاسوب لها، أبل 1 (1976)

بروتوكول Modbus

تقنيّاً، معيار RS232 لم يكن مخصصاً للإشارات الصناعية لكنه وفر أساساً قوياً يمكن للأجهزة استخدامه.

تطوير إحدى شركات الـ PLC -التي أصدرت الطراز Modicon- Modbus وهي منصة نمت شعبيتها ولا تزال موجودة في عدد كبير من الأنظمة اليوم، وعلى الرغم من أنها غالباً ما تُعد للعمل بشكل متوافق مع بروتوكولات أحدث.

أُصدِر Modbus في عام 1979، ولم يحدِّد بالضبط حدوداً مادية مثل RS232. فهو يصف ببساطة الترتيب الذي يتم فيه نقل البيانات (يسمى “الإطار”). كان هذا تصميماً مقصوداً سمح بإرسال حزم البيانات عبر مجموعة متنوعة من الكابلات باستخدام بروتوكولات مختلفة، مثل الايثرنت Ethernet.

في عام 1981، أُصدِر MS-DOS والذي أحدث حقبة أخرى من الحوسبة.

الإيثرنت Ethernet

يدرك الجميع أن الإيثرنت هو المعيار الشائع للوصول للإنترنت باستخدام كابل سلكي. على الرغم من صحة هذ الشيء في معظم الحالات إلا أن بروتوكول الإنترنت Ethernet الفعلي (IP) يتعلق بشكل أكثر بقواعد وبنية تدفقات البِتات وتوصيلات الآلات، وليس بقدر ما يتعلق بالأسلاك والكابلات.

تأتي كابلات إيثرنت بأشكال وأحجام عديدة. وتتواجد اليوم كواحدة من أكثر الحالات شيوعا للاتصال من آلة إلى آلة.

كابلات الإيثرنت (مصدر الصورة: موقع  control)
كابلات الإيثرنت (مصدر الصورة: موقع control)

عادة ما تغلّف معايير أخرى مثل Modbus في إطار إيثرنت وبهذه الطريقة لا يزال بإمكان معدات Modbus القديمة إرسال بياناتها إلى الآلات ذات أي نظام حديث.

المعيار RS485

على الرغم من أنه يبدو مشابهًا لـ RS232، إلا أن هذا النوع من أنظمة الاتصال هو نوع مختلف تماماً عن الأنظمة جميعها حيث يُستخدَم فيه سلكين فقط (أحياناً اثنان أو أربعة) في أزواج مجدولة لزيادة السرعة والطول.

تُوصّل الأجهزة على طول السلك ولكل جهاز عنوان مميز، مما يتيح لعدد أكبر من الأجهزة بالاتصال بسرعات أعلى حتى بالنسبة لأبسط الأجهزة.

معيار CAN

خلال تلك الفترة، تم إصدار أول نظام تشغيل رسومي Windows 1.0 في عام 1985.

تم تصميم ناقل شبكة التحكم CAN وهو اختصار لـ (Controller Area Network) باستخدام معيار RS485. يعمل هذا المعيار لتوصيل عدد من أجهزة الدخل والخرج منخفضة المستوى، أو المتحكمات البسيطة عبر مساحة واسعة بمعدل نقل بيانات سريع نسبياً، ودون التعقيد الموجود في بنية الإيثرنت، ولهذا كان هذا المعيار المعتمد لأنظمة التحكم بمحركات المركبات لسنوات عديدة.

معيار Fieldbus

بعد تطوير بنية CAN طوِّرت العديد من المميزات وكان لا بد من وضع معايير لها، وعلى الرغم من تطوير Fieldbus لتطبيقه في عام 1988 إلا أنه لم ينشر بشكل كامل إلا بعد سنوت عديدة، ولكن هذا هو الوقت الذي ظهر فيه لأول مرة.

يوفر Fieldbus قواعد عامة وإرشادات للتركيب، ويشير إلى الأنظمة الأخرى فيما يتعلق بقواعد حجم وبنية الحزم بشكل دقيق مثل نظامي PROFIBUS وControlNet.

معيار PROFIBUS

يعدّ PROFIBUS فرعاً من Fieldbus حيث يوفر قواعد هياكل الحزم للعديد من الشركات المصنعة للمعدات. لا يعتبر تماماً مثل ProfiNet والذي هو في الواقع مجرد شكل معدّل من Ethernet مخصص للاستخدام الصناعي.

DeviceNet

يعدّ DeviceNet ميزة أخرى لبنية المعيار CAN وهو مصمّم خصيصاً ليسمح لأجهزة الدخل والخرج منخفضة المستوى بالاتصال بوحدات التحكم، وبالتالي فإن حجم حزم البيانات صغير نسبياً.وذلك بالمقارنة بعدد كبير من طرق الاتصال الحاسوبية المألوفة لدينا فإن DeviceNet يعتبر بطيء نسبياً ولا يسمح لعدة أجهزة بالاتصال ولكنه منيع ضد التشويش في البيئة الصناعية ذات الضجيج.

USB

تطور الناقل التسلسلي الشامل (USB) بشكل كبير منذ البداية من حيث السرعة والإمكانيات. غالباً ما يتم استخدامه لبرمجة أجهزة الـ PLC الحديثة والأجهزة الأخرى، نظراً لأنها شائعة الاستخدام ومدعومة من معظم الشركات المصنعة.

ControlNet

يعد ControlNet فرعاً آخر من Fieldbus ويستخدم في الغالب لتوصيل شبكات وحدات التحكم كما يشير الاسم. ويمكن لأجهزة الـ PLC الاتصال بأنظمة الـ HMI وVFD والحواسيب بهذه الطريقة، ولكن نادراً ما تتصل بالأجهزة، إلا في حالة بعض أنظمة الإدخال والإخراج الموزعة.

شبكة Wi-Fi ومعيار 802.11

تم اصدار أول معيار 802.11 في عام 1997 والذي كان أول نموذج للقدرة على إرسال البيانات لاسلكياً، مشابهًا لما قدمه معيار Ethernet في الاتصالات السلكية.

لا يستخدم غالباً داخل المنشآت الصناعية بسبب عدم موثوقيته ضمن البيئات ذات الضجيج، ولكن من يعلم متى يمكن حل هذا الضعف!

أول جهاز بلوتوث

معيار لاسلكي آخر تستخدمه العديد من الشركات المصنعة، ولكنه ربما محدود الاستخدام في التطبيقات الصناعية لنفس سبب Wi-Fi. ومع ذلك، فهو معيار شائع يستخدم في الملايين من أجهزة المستهلك.


المصدر: هنا

ترجمة: ميس حمود، مراجعة وتصميم: علي العلي، تدقيق لغوي: حنين غاليه، تحرير: نور شريفة.