ما هو التوءم الرقميُّ؟ 

التوءم الرقميُّ هو تمثيلٌ رقميٌّ لشيء ماديّ أو عمليّة أو خدمة. قد يكون نسخة رقميَّة طبْق الأصل عن شيء موجود في العالم الماديّ مثل محرّك نفَّاث أو مَزارع رياح أو حتى عناصر أكبر مثل مبانٍ أو مدن بأكملها. وإلى جانب الأشياء الماديَّة يمكن استخدام تقنيَّة التوءم الرقميّ لمحاكاة العمليات ثم جمع بيانات تسهم  في التنبؤ بأدائها. 

التوءم الرقميّ: هو في الأساس برنامج حاسوبيّ يَستخدم بيانات من العالم الحقيقيّ لإنشاء عمليّات محاكاة يمكنها التَّنبؤ بكيفيّة أداء مُنتَج أو عمليّة ما. ويمكن أن تَدمج هذه البرامج إنترنت الأشياء وتقنيّات الثَّورة الصّناعيَّة الرَّابعة والذَّكاء الصُّنعي والبرامج التَّحليليَّة لتحسين الخرْج. وقد أصبحت هذه النَّماذج الافتراضيّة عنصراً أساسياً في الهندسة الحديثة لتحفيز الابتكار وتحسين الأداء مع تطوُّر تعلُّم الآلة وعوامل أُخرى مثل البيانات الضَّخمة. 

باختصار، إنشاء توءم رقميّ قد يُعزّز مجرى التّكنولوجيا الاستراتيجيّة ويمنع الأعطال الماديّة المُكلِفة باستخدام التَّحليل والمراقبة التَّنبؤية المتقدّمة واختبار الخدمات والعمليّات. 

كيف تعمل تقنيَّة التَّوءم الرَّقميّ؟ 

 يُنشئ خبراء الرّياضيات التًّطبيقيَّة أو علوم البيانات التوءم الرَّقمي عند بحثهم في الفيزياء والبيانات التَّشغيليَّة لجسم أو نظام ماديّ لتطوير نموذج رياضي يُحاكي الأصل. 

ويَضمنُ المُطوّرون الذين أنشأوا التَّوائم الرَّقميَّة، أن النَّموذج الحاسوبي الافتراضي يُمكِنُه تلقي مُدخلات من أجهزة الاستشعار التي تَجمع البيانات من العالَم الحقيقيّ. ويُتيح ذلك للنّسخة الرَّقميَّة تقليد ومحاكاة ما يحدث مع الإصدار الأصلي في الزَّمن الحقيقي، ممّا يتيح فرصة لجمع الأفكار حول الأداء والمشاكل الأخرى. 

يمكن أن يكون التوءم الرَّقميّ مُعقَّداً أو بسيطاً حسب الحاجة وبكميَّات مختلفة من البيانات التي تُحدّد مدى دقَّة محاكاة النَّموذج الرَّقميّ لنسخة العالَم الحقيقيّ، ويمكن استخدامه مع نموذج أوليّ لتقديم ملاحظات حولَ مُنتَج ما بنسختهِ المُطوَّرة الحاليَّة، أو يمكن أن يكون بمثابة نموذج أوليّ في حد ذاته لنمذجة ما يمكن أن يحدث مع إصدار ماديّ عند بِنَائِه.

التوءم الرقمي

ما هي المشاكل التي تحلُّها تقنيَّة التوءم الرَّقميّ؟ 

وَجدت الحلول لعددٍ كبيرٍ من المشاكل مثل اختبار الإجهاد، ومقاومة التَّآكل لتوربينات الرّياح البحريَّة، وتحسين الكفاءة في سيَّارات السّباق ، حيث تُستخدم هذه التقنية في مجموعة واسعة من الصّناعات، بدءاً بالسَّيارات وصولاً للرّعاية الصّحيَّة وتوليد الطَّاقة، وتضمَّنت التَّطبيقات الأخرى نمذجة المستشفيات لتحديد تدفُّقات العمل والموظَّفين لإيجاد التَّحسينات المُمكِنة. 

يُتيح التوءم الرَّقميّ للمستخدمين البحث عن حلول لتمديد دورة حياة مُنتج ما وتحسين التَّصنيع والعمليَّات وتطوير المُنتج واختبار النَّموذج الأوَّليّ، ويمكن أن يُمثّل التوءم الرَّقمي افتراضيّاً في مثل هذه الحالات مشكلة ما بحيث يُمكن إيجاد حل لها واختباره في البرنامج بدلاً من العالم الحقيقي. 

مَن اخترعها؟ 

طُرِح مفهوم التَّوائم الرَّقميّة لأوّل مرَّة بواسطة ديفيد غيليرنتر David Gelernter في عام  1991 في كتابه “Mirror Worlds”، ثم قام مايكل جريفز Michael Grieves من معهد فلوريدا للتكنولوجيا بتطبيق هذا المفهوم على التَّصنيع. 

انتقل جريفز بحلول عام 2002 إلى جامعة ميشيغان حيث قدَّم مفهوم التوءم الرَّقمي رسميّاً في مؤتمر جمعيَّة مُهندسي التَّصنيع في مدينة تروي، ميشيغان، ومع ذلك كانت وكالة ناسا هي أول من تبنَّى مفهوم التوءم الرَّقمي، وفي تقرير خارطة الطَّريق لعام 2010 أعطى جون فيكرز من وكالة ناسا هذا المفهوم اسمه، حيث استُخدِمت الفكرة لإنشاء محاكاة رقميَّة لكبسولات الفضاء والمركبات للاختبار. 

انتشر مفهوم التوءم الرَّقمي بشكل أوسع في عام 2017 حيثُ صنَّفه موقع جارتنر كواحد من أفضل عشرة اتّجاهات استراتيجيَّة تقنيَّة، واستُخدم المفهوم منذ ذلك الحين في مجموعة مُتزايدة من التَّطبيقات والعمليَّات الصّناعيَّة. 

متى تُستخدَم؟ 

تُقسم التَّوائم الرَّقميّة إلى ثلاثة أنواع رئيسة، وهي توضّح الأوقات المختلفة التي يُمكن فيها استخدامها: 

  • نموذج التوءم الرَّقميّ التَّجريبي(DTP)، ويُنفَّذ قبل إنشاء المُنتج الماديّ.
  •  نموذج التوءم الرَّقميّ (DTI)، يُنفَّذ بمجرَّد تصنيع المُنتج لإجراء اختبارات على حالات استخدام مختلفة. 
  •  التوءم الرَّقميّ المُجمَّع (الكُلّي) (DTA)، وهو يُجمّع المعلومات من (DTI) لتحديد إمكانيات المُنتج والتنبُّؤ واختبار بارامترات التَّشغيل. 

يمكن أن توفّر هذه الأنواع الشَّاملة مجموعة متنوعة من الاستخدامات بما في ذلك التَّخطيط اللوجستيّ وتطوير المنتجات وإعادة التَّصميم ومراقبة إدارة الجودة وتخطيط الأنظمة. 

يُمكن استخدام التوءم الرَّقميّ لتوفير الوقت والمال كلَّما احتاج مُنتج أو عمليَّة إلى الاختبار سواء في التَّصميم أو التَّنفيذ أو المراقبة أو التَّحسين. 

كيف ولماذا نُصمّم التَّوائم الرَّقميّة؟ 

كما ذُكر أعلاه، يمكن إنشاء التَّوائم الرَّقميّة لمجموعة واسعة من التَّطبيقات، على سبيل المثال، لاختبار نموذج أوَّليّ أو تصميم وتقييم كيفيَّة عمل المُنتج أو العمليَّة في ظل ظروف مختلفة وتحديد دورات الحياة ومراقبتها. 

تُصمَّم النَّماذج الرَّقميّة من خلال جمع البيانات وإنشاء نماذج حسابيَّة لاختبارها، ويمكن أن يَشمل ذلك إنشاء واجهة بين النَّموذج الرَّقميّ وكائن ماديّ فعليّ لإرسال الملاحظات والبيانات وتلقّيها في الزَّمن الحقيقيّ. 

البيانات التي يحتاجها التوءم الرَّقمي:

يتطلَّب التوءم الرَّقميّ بيانات حول كائن أو عمليَّة لإنشاء نموذج افتراضيّ يمكن أن يمثّل سلوكيَّات أو حالات عنصر أو إجراء في العالَم الحقيقيّ، وقد تتعلَّق تلك البيانات بدورة حياة مُنتَج ما مُتضمّنةً مواصفات التَّصميم أو عمليَّات الإنتاج أو المعلومات الهندسيَّة، ويمكن أن تتضمَّن أيضاً معلومات الإنتاج للمعدَّات والمواد والأجزاء والأساليب ومراقبة الجودة، وقد تكون البيانات مرتبطة أيضاً بالتَّشغيل، مثل التَّعليقات في  الزَّمن الحقيقيّ والتَّحليل التَّاريخيّ وسجلَّات الصّيانة، ويمكن أن تتضمَّن البيانات الأخرى المستخدمة في تصميم التوءم الرَّقميّ بيانات الأعمال أو إجراءات نهاية العمر الافتراضي. 

نمذجة التوءم الرَّقميّ:

بمجرَّد الانتهاء من جمع البيانات يمكن استخدامها لإنشاء نماذج تحليليَّة حسابيَّة لإظهار فعاليّة العمليَّات والتنبُّؤ بحالات مثل الإجهاد وتحديد السّلوكات، ويمكن أن تصف هذه النَّماذج الإجراءات بناءً على المحاكاة الهندسيَّة ومبادئ الفيزياء والكيمياء والإحصاء والتَّعلم الآليّ والذَّكاء الاصطناعيّ ومَنطق الأعمال أو الأهداف، ويمكن عرض هذه النَّماذج من خلال تمثيل ثُلاثي الأبعاد ونمذجة الواقع المُعزَّز لمساعدة الإنسان في فهم النَّتائج. 

ربط التَّوائم الرَّقميّة:

يمكن ربط النَّتائج المُستخلصة من التَّوائم الرَّقميّة لإنشاء نظرة عامة، مثل أخذ نتائج توائم المُعدَّات ووضعها في خط إنتاج مُزدوج، والذي يُمكنه بعد ذلك إبلاغ توءم رقميّ على نطاق المصنع، حيث يمكن تمكين التَّطبيقات الصّناعيَّة الذَّكيّة للتَّطويرات والتَّحسينات التَّشغيليّة في العالَم الحقيقيّ باستخدام التَّوائم الرَّقميّة المُرتبطة بهذه الطَّريقة. 

فوائد التَّوائم الرَّقميّة:

تختلف فوائد التوءم الرَّقميّ باختلاف وقت ومكان استخدامه. على سبيل المثال، استخدام التوءم الرَّقميّ لمراقبة المُنتجات الموجودة مثل توربينات الرّياح أو خط أنابيب النّفط يمكن أن يؤدّي إلى تقليل أعباء الصّيانة وتوفير الملايين من التَّكاليف المُحتملة، ويمكن أيضاً استخدام التَّوائم الرَّقميّة لإنشاء نماذج أوّليّة قبل التَّصنيع، وذلك لتقليل عيوب المُنتج وتقليل الوقت اللازم لوصول المُنتج إلى الأسواق. تشمل الأمثلة الأخرى لاستخدام تقنيَّة التوءم الرَّقميّ تحسينات في العمليَّة سواء كان ذلك لمراقبة مستويات التَّوظيف مقابل الخرج أو مواءمة سلسلة التَّوريد مع متطلَّبات التَّصنيع أو الصّيانة. 

كما تشمل الفوائد الشَّائعة زيادة الموثوقيَّة والوفرة من خلال المراقبة والمحاكاة لتحسين الأداء، ويمكن أيضاً تقليل أخطار الحوادث وحالات التَّوقف غير المُخطط لها بسبب فشل ما، وخفض تكاليف الصّيانة بالتَّنبُّؤ بإخفاق ما قبل حدوثه، وضمان عدم تأثُّر أهداف الإنتاج من خلال جدولة الصّيانة والإصلاح وطلب قطع الغيار، كما يمكن أن يوفّر التوءم الرَّقميّ أيضاً تحسينات مستمرَّة من خلال تحليل النَّماذج المُعدَّلة وضمان جودة المُنتج من خلال اختبار الأداء في الزَّمن الحقيقيّ. 

بالرّغم من ذلك، فإن التوءم الرَّقميّ غير مناسب في جميع الحالات بسبب التَّعقيد الذي قد يُسبّبه، حيث أن بعض مشاكل العمل لا تحتاج إلى توءم رقميّ ويمكن حلّها دون الاستثمار المرتبط بالوقت والتَّكلفة. 

أمثلة:

يمكن العثور على أمثلة عن استخدامات تقنيَّة التوءم الرَّقميّ المُنتشرة في مجال الصّناعة وغيرها، للتَّصنيع والصّيانة والحدّ من الأعطال (مراقبة دورة الحياة). 

تُستخدم التَّطبيقات في صناعة السَّيارات حيثُ تَجمع حسَّاسات القياس عن بُعد ردودَ فعلٍ من المركبات وتُرسلها إلى التَّوائم الرَّقميّة المزدوجة، وكذلك تُستخدم في المصانع حيثُ يُحاكي التوءم الرَّقميّ العمليات لتوفير التَّحسينات، بالإضافة إلى استخدامها في مجال الرّعاية الصّحيَّة حيثُ يمكن لأجهزة الاستشعار إبلاغ التوءم الرَّقميّ ليقوم بالمراقبة والتَّنبُّؤ بصحَّة المريض. 

كيف أثَّرت تقنيَّة التوءم الرَّقميّ على الصّناعة؟ 

يُنشئ التوءم الرَّقميّ نموذج محاكاة يمكن تحديثه في الوقت نفسه مع نظيره الماديّ أو بدلاً منه من خلال دمج تقنيَّات مثل الذَّكاء الاصطناعيّ والتَّعلم الآليّ وتحليل البرامج مع البيانات، ويسمح هذا للشركات بتقييم دورة تطوير مُحوسبَة بالكامل من التَّصميم إلى النَّشر وحتى وقف التَّشغيل. 

يسمح التوءم الرَّقميّ للصّناعة بتوقُّع وقت التَّوقُّف والتَّفاعل مع الظُّروف المُتغيّرة واختبار تحسينات التًّصميم وغير ذلك من خلال محاكاة الأصول الماديَّة والأُطر والعمليَّات لإنتاج بيانات مستمرَّة. 

التوءم الرَّقميّ هو أساس تطوُّر الثَّورة الصّناعيَّة الرَّابعة لتوفير الأتمتة وتبادل البيانات وعمليَّات التَّصنيع المُشتركة بالإضافة إلى التَّخلص من أخطار طرح المُنتجات، حيثُ يمكن لموظفي الصّناعة مراقبة العمليَّات في الزَّمن الحقيقيّ، وتقديم تنبيهات مُسبقة حول الإخفاقات المُحتملة والسَّماح بتحسين الأداء وتقييمه في الزَّمن الحقيقيّ عند الحدّ الأدنى من فقدان الإنتاجيَّة. 

أين تُستخدم تقنيَّة التوءم الرَّقميّ؟

تُستخدم التَّوائم الرَّقميّة في مجموعة متنوّعة من الصّناعات لعدد من التَّطبيقات والأغراض، تتضمَّن بعض الأمثلة البارزة ما يلي: 

الصّناعة: يمكن أن تجعل التَّوائم الرَّقميّة التَّصنيع أكثر إنتاجيَّة وانسيابيَّة من خلال تقليل زمن الإنتاجيَّة. 

السَّيارات: أحد الأمثلة على استخدام التَّوائم الرَّقميّة في صناعة السَّيارات هو جمع وتحليل البيانات التَّشغيليّة من السَّيارة من أجل تقييم حالتها في الزَّمن الحقيقيّ والإبلاغ عن أيّ تحسينات ممكنة للمُنتج. 

البيع بالتَّجزئة: إلى جانب الصّناعة والتَّصنيع تُستخدم تقنيَّة التوءم الرَّقميّ في قطاع البيع بالتَّجزئة لنمذجة تجربة العميل وتحسينها سواء على مستوى مركز التَّسوُّق أو المتاجر الفرديَّة. 

الرّعاية الصّحيَّة: استفاد القطاع الطّبيّ من تقنيَّة التوءم الرَّقميّ في عدّة مجالات مثل التَّبرُّع بالأعضاء والتَّدريب على الجِراحة عن طريق تقليل المخاطر خلال تنفيذ الإجراءات، وقامت بعض الأنظمة أيضاً بنمذجة تدفُّق الأشخاص عبر المستشفيات وتتبُّع الأماكن التي قد توجد فيها العدوى ومَن قد يكون في خطر أيضاً. 

إدارة الكوارث: كان لتغيُّر المناخ العالميّ تأثير على جميع أنحاء العالم في السَّنوات الأخيرة، يمكن أن تساعد تقنيَّة التوءم الرَّقميّ في مكافحة ذلك عبر الاعتماد على المعلومات في بناء البُنى التَّحتيَّة الذَّكيّة وخُطط الاستجابة للطَّوارئ ورصد تغيُّر المناخ. 

المدن الذَّكيّة: يمكن أيضاً استخدام تقنيَّة التوءم الرَّقميّ لمساعدة المدن على أن تُصبح أكثر استدامة اقتصاديّاً وبيئيّاً واجتماعيّاً، حيثُ يمكن للنَّماذج الافتراضيَّة توجيه قرارات التَّخطيط وتقديم حلول للعديد من التَّحديات المُعقَّدة التي تواجهها المدن الحديثة. على سبيل المثال، يمكن الإبلاغ عن الاستجابات في الزَّمن الحقيقيّ للمشكلات عبر المعلومات المُستلمة في الزَّمن الحقيقيّ من التَّوائم الرَّقميّة للسّماح للخدمات مثل المستشفيات بالاستجابة للأزمات. 


المصدر: هنا

ترجمة: حنين الرفاعي، مراجعة: يارا قاضون، تدقيق لغوي:علي يونس، تصميم: علي العلي، تحرير: معتصم حفيان.