تعمل المشفّرات على تحويل الحركة إلى إشارات كهربائيّة معتمدةً على تقنيّات متنوّعة، ثم تُرسل تلك الإشارة إلى جهاز تحكّم -مثلPLC (المتحكّمات المنطقيّة القابلة للبرمجة)– ليتمّ معالجتها وتحويلها إلى قيم معيّنة؛ لتُستخدم لاحقًا في البرنامج كما هو موضّح بالشكل التالي.
توجد العديد من التّقنيّات المستخدَمة لصناعة المشفّر، مثل المشفّر المغناطيسيّ، والمشفّر الميكانيكيّ، والمشفّر المقاوميّ، والمشفّر الضّوئيّ الذي يُعتبر الأكثر شهرة واستخدامًا في العمليّات الصّناعيّة. ينقسم المشفّر إلى قسمين رئيسين: المشفّر المطلق (absolute encoder)، والمشفّر التّصاعديّ (incremental encoder)، واللذان سيتمّ شرحهما بالتّفصيل في مقالات لاحقة.
مبدأ عمل المشفّر
لتوضيح مبدأ عمل المشفّر، سنأخذ المشفّر التّصاعديّ ذا التّقنيّة الضّوئيّة كمثال. يتكوّن هذا المشفّر من مصدر ضوء، وعلى الجانب الآخر حسّاس ضوء، ويفصل بينهما قرص مثبّت على محور الدّوران في المحرّك. يحتوي القرص على عدد معيّن من الثّقوب التي تسمح بمرور الضّوء عبرها. وعند دوران المحرّك يمرّ الضّوء بشكل متقطّع عبر القرص وفقًا للنمط المرسوم على القرص، وبالتالي تنتج سلسلـة من النّبضات الكهربائيّة التي يمكن قراءتها من خلال حسّاس الضّوء، وأخيرًا تُرسل إلى المعالج كما هو موضّح في الشّكل التالي.
تُستخدم المشفّرات على نطاق واسع في مجالات أنظمة التّحكم ذات النظام المغلق (closed-loop)، مثل أنظمة السيرفو أو تطبيقات القياس والعدّ. وفيما يلي بعض الأمثلة على العمليّات التي تُستخدم فيها المشفّرات.
استخدام المشفّرات في التحكّم بسرعة محرّكات التردّد المتغيّر
على سبيل المثال، إذا أدرت التحكّم في سرعة مضخّة مياه لملء خزان بسائل ما، يمكن استخدام المشفّر ليعطي تغذية راجعة عن السّرعة الحقيقيّة للمضخّة، وبالتّالي يتمّ زيادة أو إنقاص السّرعة بواسطة مغيّرات السّرعة حتّى تصل إلى القيمة المطلوبة، كما هو موضّح في الشّكل التالي.
استخدام المشفّرات في تطبيقات القياس
في العمليّة الموضّحة بالشّكل التالي، نحتاج إلى قَطع لفيفة الألمنيوم التي يبلغ طولها أكثر من مئة قدم إلى صفائح ذات طول محدّد حتّى يتسنّى لنا استخدامها في عمليّات التّصنيع المختلفة. سنحتاج إلى جهاز المشفّر لكي يعطي تغذية راجعة عن الطول المحدّد للصفيحة، لذا يوضع جهاز المشفّر على خط الإنتاج، وعند مرور حوالي 2 متر من لفيفة الألمنيوم -كما هو موضّح بالشكل التالي- يُرسِل المشفّر إشارة كهربائيّة إلى PLC ليعطي أمر القطع، وبالتالي تقوم ماكينة التّقطيع بقطع اللفيفة إلى صفائح معدنيّة طولها 2 متر.
استخدام المشفّرات في عمليات العدّ
لتوضيح ميّزات المشفّر في عمليّات العدّ سنقوم بمقارنته مع الطّريقة التّقليديّة للعدّ كالتّالي:
لنفترض أنّ لدينا خط إنتاج لعبوات، ويُحصَى عدد هذه العبوات عن طريق حسّاس كهروضوئي، مثل حسّاس photo-eye (حسّاس كهرضوئي يُستخدم لتحديد وجود المنتج على خط الإنتاج عند نقطة معيّنة) عند مدخل خط الإنتاج، ومن ثمّ يتمّ تغطية هذه العبوات بواسطة جهاز تغطية كما هو موضّح في الشّكل التالي، وبمجرّد إحكام إغلاق غطاء العبوة، يستأنف خط الإنتاج عمله، وينقل هذه العبوات إلى المراحل الأخرى من التّصنيع، ويقوم الحسّاس الكهروضوئي بإعطاء إشارة إلى جهاز التّحكّم ليخبره أنّ هذه العبوة قد غُطّيت. ولكي تتمّ العملية بنجاح يجب أن تتحقّق الشّروط التّالية:
– يجب أن يخرج نفس عدد العبوات التي تدخل خط التجميع في “إطار زمنيّ محدّد مسبقًا”.
– يجب ألّا تبقى العبوة أمام حسّاس الدخول أو حسّاس الخروج.
– يجب ألّا تبقى العبوة عند آلة التّغطية لفترة أطول من الوقت المحدّد مسبقًا.
– يجب أن يكون تصميمك مرن بما يكفي للتّعامل مع العديد من أنواع الزجاجات وموضع حسّاسي الدّخول والخروج.
في حال كانت هذه العبوات من النوع الطّبيّ، وذات حجم قياسيّ، ولا تحتوي على مقبض، ففي هذه الحالة سيكون الأمر يسيرًا وغير معقد، وتمضي العمليّة الصّناعيّة حسب الشروط المذكورة آنفًا بالتّسلسل التالي: دخول العبوة الطبيّة إلى خط التّجميع ويُستشعَر وجودها بوساطة حسّاس الدّخول، ثمّ تُغطّى بواسطة ماكينة التّغطية، ثمّ تخرج من خط التجميع ويُستشعَر خروجها بواسطة حسّاس الخروج دون وجود أي عوائق قد تؤثر على عمل الحسّاس، وإذا حدث مثلًا أنّ العبوة انقلبت وهي على خط التجميع فلن يستشعر حسّاس الخروج وجودها، وبالتالي يتمّ إيقاف الماكينة وتنبيه الشّخص المسؤول عن تشغيلها بفشل العمليّة.
لكنّ هذا الأمر يتغيّر في حال كانت العبوات ذات مقبض كبير (مثل عبوات سائل مضاد التجمد antifreeze bottle)، فعند دخول العبوة إلى خط التّجميع يتمّ عدّها بواسطة حسّاس الدّخول، وأيضًا يستشعر حسّاس الدّخول مقبض العبوة نظرًا لكبره، ويقوم باحتساب هذه العبوة مرّتين، وهذا غير صحيح. إذاً كيف يمكن أن نجعل الآلة تميّز أنّ هذه الحالة طبيعية نظرًا لشكل مقبض العبوة؟
يمكن حلّ هذه المشكلة عن طريق استخدام المشفّر ومفتاح تبديل لتغيير وضع تشغيل الآلة وفقًا لنوع العبوات. للبدء في تهيئة هذه العملية يجب التأكّد أوّلًا من إدخال العبوة؛ بحيث يكون الغطاء أوّلاً بعد وضع رقاقة معدنيّة عليه، وبمجرّد دخولها في خط التجميع يستشعر حسّاس الدّخول غطاء العبوة، ويرسل إشارة كهربائيّة إلى البرنامج المسؤول عن هذه العمليّة، ويقوم بتسجيل قراءة المشفر (150 كما هو موضح في الشكل التالي)، وأيضًا يحدّد البرنامج أنّ هذه القراءة هي للغطاء، ويسجّل هذه البيانات، وبعد ذلك يتلقّى البرنامج قراءة أخرى، ويعرف أنّ هذه القراءة ليست خاصّة بالغطاء، وإنّما بجزء آخر متعلّق بالعبوة، وليكن على سبيل المثال رأس المقبض. تستمرّ العبوة بالمرور على خط الإنتاج حتّى تصل إلى مستشعر الخروج وعند هذه النقطة ينبغي عليك مجددًا تسجيل قيمة قراءة المشفّر (والتي قيمتها 3150 كما يوضّحه الشكل التالي) وبالتالي يصبح لديك الآن قراءتان: واحدة عند المدخل والأخرى عند المخرج.
عند كتابتك للكود البرمجي الخاصّ بهذه العمليّة الصّناعيّة، قم بطرح قيمة قراءة المشفّر عند الدّخول من قيمة قراءة المشفّر عند الخروج، وبالتّالي تتحصّل على قيمة عدّ خاصّة بهذه العبوة، وبالتّالي يمكنك أن تحدّد بدقّة مقدار الوقت الذي ستستغرقه هذه العبوة في المرور عبر خط الإنتاج ليوافق المدى الزمني المحدّد مسبقًا من الدّخول إلى الخروج. وبذلك نكون قد تحصّلنا على نظام تحكّم يمتاز بالمرونة في التّعامل مع أنواع مختلفة من العبوات، وأصبح لدينا الحريّة باختيار المسافة المناسبة بين حسّاسي الدّخول والخروج. وفي حال لم تخرج العبوة في الوقت المحدّد والذي تمّ حسابه سابقًا بناءً على قيمة قراءة المشفّر، فإنّ ذلك يشير إلى وجود خلل في النظام ويتمّ إعلام الشّخص المسؤول عن الماكينة بذلك الأمر. سنتطرّق في المقالات القادمة إلى الحديث بشكل مفصّل عن المشفّرات التّصاعديّة والمشفرات المطلقة.
ترجمة: | قاهر محمد |
مراجعة: | علي العلي |
تدقيق لغوي: | سلام أحمد |
تحرير: | قحطان غانم |